توقيت القاهرة المحلي 22:21:00 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ماذا بعد الانسحاب الفرنسي من النيجر؟

  مصر اليوم -

ماذا بعد الانسحاب الفرنسي من النيجر

بقلم - د. محمد علي السقاف

في حواره مع التلفزيون الفرنسي مساء الأحد 24 سبتمبر (أيلول) الماضي، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن السفير الفرنسي لدى النيجر سيعود إلى فرنسا، وأن القوات الفرنسية ستغادر النيجر بحلول نهاية العام. وكان واضحاً في حديثه شعوره بالمرارة، وبصفعة وُجهت له شخصياً اضطرته إلى اتخاذ تلك القرارات.

مشاعر المرارة تعود إلى أنه رأى في استسلامه لشروط قادة الانقلاب في النيجر -وهو الذي كان يكرر من دون ملل أنه لن يقوم بذلك الانسحاب إلا إذا طلبته منه السلطة الشرعية المنتخبة- شعوراً بالإهانة التي وُجهت لفرنسا الدولة العظمى ذات القوة النووية، والعضو الدائم في مجلس الأمن، وضرباً لسمعتها بوصفها دولة قيادية في الاتحاد الأوروبي، ولمكانتها العالمية أمام دولة نامية من أفريقيا السمراء التي فرضت شروطها عليها!

والمؤلم في الأمر -كما أقر كثير من المراقبين الفرنسيين- أن الولايات المتحدة الدولة الحليفة لم تقف إلى جانبها؛ بل ربما رأت في الانسحاب الفرنسي من الساحل الأفريقي أنه يصب في صالح استراتيجيتها في الانتشار في أفريقيا، وفي علاقتها بالساحل الأفريقي.

نعم فرنسا هي دولة حليفة، ولكن عند تضارب المصالح بين الدول ترعى الولايات المتحدة مصالحها أولاً، ثم تليها مصالح حلفائها وشركائها، وتتعامل معها بواقعية شديدة من دون أي دوغمائية.

أشار ماكرون في مقابلته المتلفزة إلى أنه قبل إعلان قراراته بفترة قصيرة، تحدث هاتفياً مع الرئيس المعزول محمد بازوم، من دون الإفصاح عما دار بينهما. ومن المحتمل أنه أبلغه بالقرارات التي سيعلن عنها. ولا شك في أن عوامل عدة دفعت باريس إلى اتخاذ قرار الانسحاب، منها قناعة ماكرون بأنه لن يستطيع الاعتماد على إمكانية تدخل قوات «الإيكواس» بقيادة الدولة الرئيسية (نيجيريا) في إعادة الرئيس المعزول، لكونها هي بذاتها تواجه تحديات أمنية من قبل جماعة «بوكو حرام»، ومن «داعش» فصيل غرب أفريقيا.

نجاح القيادة العسكرية بالنيجر في تعبئة الجماهير والشباب على وجه الخصوص ضد فرنسا، وفر لها قاعدة شعبية واسعة في البلاد.

وكذلك إعلان تأسيس «حلف دول الساحل» مؤخراً بتاريخ 16 سبتمبر، من قبل النيجر ومالي وبوركينا فاسو، والذي ينص على التضامن بين الدول الثلاث أمام أي اعتداء على أراضي أي منها، واعتباره بمثابة إعلان حرب ضدها.

وإعلان كل من مالي وبوركينا فاسو في انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة تضامنهما مع النيجر.

وهنا بالمقاربة مع السياسة الفرنسية، تعاملت السياسة الأميركية بحذر وبشكل مختلف عن فرنسا ورئيسها ماكرون، في إدارة تداعيات الأزمة في النيجر، لطموحات الرئيس ماكرون المبكرة في توسيع النفوذ الفرنسي في «أفريقيا الأخرى»؛ حيث إنه عند انتهائه بتفوق كبير من معهد النخب الفرنسية؛ بدلاً من قضاء فترة التدريب لمدة 6 أشهر في سفارة فرنسا في واشنطن أو في برلين، فضَّل الذهاب إلى أبوجا عاصمة نيجيريا، المستعمرة البريطانية سابقاً التي لم تكن لها علاقة بفرنسا، بدلاً من السفر إلى إحدى المستعمرتين سابقاً: ساحل العاج أو السنغال، وفضَّل عليهما نيجيريا في غرب أفريقيا!

كما أشار سفير فرنسا السابق لدى نيجيريا إلى أن ماكرون كان منبهراً بنيجيريا، الدولة الأفريقية الكبرى ذات الـ206 ملايين نسمة، التي تشكل بذاتها قارة، والغنية بمواردها الطبيعية والاقتصادية وسجلها الثقافي؛ حسب تعبيره. وكان واضحاً -حسبما أشار إليه السفير- حماس ماكرون واهتمامه في شبابه «بأفريقيا الأخرى» أكثر من اهتمامه بمستعمرات بلاده السابقة. والمدهش حقاً أن ماكرون الذي تولى الرئاسة الفرنسية وهو في سن 39 عاماً، ويعد أصغر رئيس في تاريخ فرنسا، يبدو أن تجربته في نيجيريا وطموحاته في توسيع النفوذ الفرنسي جعلته حين وصل إلى الرئاسة يتعامل بشكل مختلف، بين أفريقيا الفرنسية ومستعمرات أفريقيا الإنجليزية سابقاً، التي تعامل معها بواقعية أكثر في الدفاع عن مصالح فرنسا الاقتصادية والاستراتيجية، وهو ما جعل أحد الخبراء الفرنسيين يطالبه بأن تعامل أفريقيا الفرنسية بالمثل، من دون ادعاءات زائفة بأن وجودها في النيجر والساحل الأفريقي الهدف منه محاربة الإرهاب بناء على طلب المساعدة من حكوماتها، وليس من أجل حماية قادة أنظمتها من الانقلابات العسكرية.

وأظهرت الأحداث الأخيرة أن فرنسا خسرت الرهانين معاً، فلا هي استطاعت إعادة الرئيس الشرعي إلى السلطة، ولا استطاعت الحفاظ على قواعدها العسكرية لمحاربة الإرهاب، واضطرت مجدداً -كما حدث معها سابقاً في مالي وبوركينا فاسو- إلى البحث عن مكان آخر لتوطين قواتها التي من المحتمل أن تكون تشاد مقراً لها.

وإذا كانت الولايات المتحدة مثل فرنسا لم تعترف بمشروعية النظام العسكري في النيجر؛ فإنها -خلافاً لفرنسا- لم تصِف ما جرى في النيجر بأنه انقلاب عسكري؛ لأنه حينها ستكون ملزمة وفق القانون الأميركي بتعليق كل علاقاتها العسكرية مع النيجر، وتداعيات ذلك على قاعدتها للطائرات، ومراقبة الساحل الأفريقي الذي تكلف بناؤه 100 مليون دولار في أغاديز.

هل هناك وجه مقاربة ممكن بين الانسحاب الفرنسي من النيجر والانسحاب الأميركي من أفغانستان؟ وهل المنافسة واختلاف المصالح بين الولايات المتحدة وفرنسا، منذ عهد الجنرال ديغول، تجعلهما بسبب حرب أوكرانيا يتعايشان بسبب وجود قوات «فاغنر» في مالي وبوركينا فاسو واحتمال توسعها لتشمل النيجر، ما يجعل فرنسا تتجاوز محنتها وصراع مصالحها مع الولايات المتحدة؟ وهل ستقف فرنسا مع أميركا في مواجهة التغلغل الصيني في القارة؟ أم أن الحالة هنا مختلفة؟

ربما فقدت فرنسا مؤقتاً نفوذها في الساحل الأفريقي، ولكنها قطعاً لم تخسر كامل بقية أفريقيا!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا بعد الانسحاب الفرنسي من النيجر ماذا بعد الانسحاب الفرنسي من النيجر



GMT 15:08 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

فوز ترامب.. قراءة أولية

GMT 15:06 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

إثارة «نظيفة» فى أبطال أوروبا!

GMT 15:04 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

70 مباراة فى الموسم..!

GMT 15:02 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

قضايا تمهد لشرق أوسط جديد

GMT 15:01 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

كلهم يستعدون لنظام عالمى جديد

GMT 14:58 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

حملة «ترامب» وحملة «هاريس»

GMT 14:54 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

خياراتنا مع عودة ترامب وبقاء النتن ياهو

GMT 08:49 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها
  مصر اليوم - ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها

GMT 14:45 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

أحماض تساعد على الوقاية من 19 نوعاً من السرطان
  مصر اليوم - أحماض تساعد على الوقاية من 19 نوعاً من السرطان

GMT 14:30 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

حورية فرغلي تكشف موقفاً محرجاً بعد عودتها إلى التمثيل
  مصر اليوم - حورية فرغلي تكشف موقفاً محرجاً بعد عودتها إلى التمثيل

GMT 06:54 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يؤكد أن الأمم المتحدة مستعدة للعمل مع ترامب
  مصر اليوم - غوتيريش يؤكد أن الأمم المتحدة مستعدة للعمل مع ترامب

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 06:13 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يعرب عن «صدمته» إزاء المعارك في وسط السودان

GMT 12:39 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الحوت الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 09:44 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

النجمات يتألقن في فساتين سهرة ذات تصاميم ملهمة لموسم الخريف

GMT 15:33 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الجمعة 01 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 00:29 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

رودري يتوّج بالكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم

GMT 10:29 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

يحمل إليك هذا اليوم كمّاً من النقاشات الجيدة

GMT 15:50 2022 الأربعاء ,28 كانون الأول / ديسمبر

إيه فيه أمل!

GMT 00:03 2023 الثلاثاء ,21 آذار/ مارس

استبعاد راشفورد من قائمة منتخب إنجلترا

GMT 02:51 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

ارتفاع أسعارالذهب في الأسواق المصرية الأربعاء

GMT 19:04 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

مي عز الدين تكشف سر عدم ارتباطها حتى الآن

GMT 04:43 2017 الجمعة ,02 حزيران / يونيو

نادي الباطن السعودي يجدّد عقد خويلد عيادة

GMT 18:37 2020 الإثنين ,02 آذار/ مارس

أشهر مذيع إيطالي يروج للسياحة في مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon