توقيت القاهرة المحلي 13:28:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ماذا بعد الانسحاب الفرنسي من النيجر؟

  مصر اليوم -

ماذا بعد الانسحاب الفرنسي من النيجر

بقلم - د. محمد علي السقاف

في حواره مع التلفزيون الفرنسي مساء الأحد 24 سبتمبر (أيلول) الماضي، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن السفير الفرنسي لدى النيجر سيعود إلى فرنسا، وأن القوات الفرنسية ستغادر النيجر بحلول نهاية العام. وكان واضحاً في حديثه شعوره بالمرارة، وبصفعة وُجهت له شخصياً اضطرته إلى اتخاذ تلك القرارات.

مشاعر المرارة تعود إلى أنه رأى في استسلامه لشروط قادة الانقلاب في النيجر -وهو الذي كان يكرر من دون ملل أنه لن يقوم بذلك الانسحاب إلا إذا طلبته منه السلطة الشرعية المنتخبة- شعوراً بالإهانة التي وُجهت لفرنسا الدولة العظمى ذات القوة النووية، والعضو الدائم في مجلس الأمن، وضرباً لسمعتها بوصفها دولة قيادية في الاتحاد الأوروبي، ولمكانتها العالمية أمام دولة نامية من أفريقيا السمراء التي فرضت شروطها عليها!

والمؤلم في الأمر -كما أقر كثير من المراقبين الفرنسيين- أن الولايات المتحدة الدولة الحليفة لم تقف إلى جانبها؛ بل ربما رأت في الانسحاب الفرنسي من الساحل الأفريقي أنه يصب في صالح استراتيجيتها في الانتشار في أفريقيا، وفي علاقتها بالساحل الأفريقي.

نعم فرنسا هي دولة حليفة، ولكن عند تضارب المصالح بين الدول ترعى الولايات المتحدة مصالحها أولاً، ثم تليها مصالح حلفائها وشركائها، وتتعامل معها بواقعية شديدة من دون أي دوغمائية.

أشار ماكرون في مقابلته المتلفزة إلى أنه قبل إعلان قراراته بفترة قصيرة، تحدث هاتفياً مع الرئيس المعزول محمد بازوم، من دون الإفصاح عما دار بينهما. ومن المحتمل أنه أبلغه بالقرارات التي سيعلن عنها. ولا شك في أن عوامل عدة دفعت باريس إلى اتخاذ قرار الانسحاب، منها قناعة ماكرون بأنه لن يستطيع الاعتماد على إمكانية تدخل قوات «الإيكواس» بقيادة الدولة الرئيسية (نيجيريا) في إعادة الرئيس المعزول، لكونها هي بذاتها تواجه تحديات أمنية من قبل جماعة «بوكو حرام»، ومن «داعش» فصيل غرب أفريقيا.

نجاح القيادة العسكرية بالنيجر في تعبئة الجماهير والشباب على وجه الخصوص ضد فرنسا، وفر لها قاعدة شعبية واسعة في البلاد.

وكذلك إعلان تأسيس «حلف دول الساحل» مؤخراً بتاريخ 16 سبتمبر، من قبل النيجر ومالي وبوركينا فاسو، والذي ينص على التضامن بين الدول الثلاث أمام أي اعتداء على أراضي أي منها، واعتباره بمثابة إعلان حرب ضدها.

وإعلان كل من مالي وبوركينا فاسو في انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة تضامنهما مع النيجر.

وهنا بالمقاربة مع السياسة الفرنسية، تعاملت السياسة الأميركية بحذر وبشكل مختلف عن فرنسا ورئيسها ماكرون، في إدارة تداعيات الأزمة في النيجر، لطموحات الرئيس ماكرون المبكرة في توسيع النفوذ الفرنسي في «أفريقيا الأخرى»؛ حيث إنه عند انتهائه بتفوق كبير من معهد النخب الفرنسية؛ بدلاً من قضاء فترة التدريب لمدة 6 أشهر في سفارة فرنسا في واشنطن أو في برلين، فضَّل الذهاب إلى أبوجا عاصمة نيجيريا، المستعمرة البريطانية سابقاً التي لم تكن لها علاقة بفرنسا، بدلاً من السفر إلى إحدى المستعمرتين سابقاً: ساحل العاج أو السنغال، وفضَّل عليهما نيجيريا في غرب أفريقيا!

كما أشار سفير فرنسا السابق لدى نيجيريا إلى أن ماكرون كان منبهراً بنيجيريا، الدولة الأفريقية الكبرى ذات الـ206 ملايين نسمة، التي تشكل بذاتها قارة، والغنية بمواردها الطبيعية والاقتصادية وسجلها الثقافي؛ حسب تعبيره. وكان واضحاً -حسبما أشار إليه السفير- حماس ماكرون واهتمامه في شبابه «بأفريقيا الأخرى» أكثر من اهتمامه بمستعمرات بلاده السابقة. والمدهش حقاً أن ماكرون الذي تولى الرئاسة الفرنسية وهو في سن 39 عاماً، ويعد أصغر رئيس في تاريخ فرنسا، يبدو أن تجربته في نيجيريا وطموحاته في توسيع النفوذ الفرنسي جعلته حين وصل إلى الرئاسة يتعامل بشكل مختلف، بين أفريقيا الفرنسية ومستعمرات أفريقيا الإنجليزية سابقاً، التي تعامل معها بواقعية أكثر في الدفاع عن مصالح فرنسا الاقتصادية والاستراتيجية، وهو ما جعل أحد الخبراء الفرنسيين يطالبه بأن تعامل أفريقيا الفرنسية بالمثل، من دون ادعاءات زائفة بأن وجودها في النيجر والساحل الأفريقي الهدف منه محاربة الإرهاب بناء على طلب المساعدة من حكوماتها، وليس من أجل حماية قادة أنظمتها من الانقلابات العسكرية.

وأظهرت الأحداث الأخيرة أن فرنسا خسرت الرهانين معاً، فلا هي استطاعت إعادة الرئيس الشرعي إلى السلطة، ولا استطاعت الحفاظ على قواعدها العسكرية لمحاربة الإرهاب، واضطرت مجدداً -كما حدث معها سابقاً في مالي وبوركينا فاسو- إلى البحث عن مكان آخر لتوطين قواتها التي من المحتمل أن تكون تشاد مقراً لها.

وإذا كانت الولايات المتحدة مثل فرنسا لم تعترف بمشروعية النظام العسكري في النيجر؛ فإنها -خلافاً لفرنسا- لم تصِف ما جرى في النيجر بأنه انقلاب عسكري؛ لأنه حينها ستكون ملزمة وفق القانون الأميركي بتعليق كل علاقاتها العسكرية مع النيجر، وتداعيات ذلك على قاعدتها للطائرات، ومراقبة الساحل الأفريقي الذي تكلف بناؤه 100 مليون دولار في أغاديز.

هل هناك وجه مقاربة ممكن بين الانسحاب الفرنسي من النيجر والانسحاب الأميركي من أفغانستان؟ وهل المنافسة واختلاف المصالح بين الولايات المتحدة وفرنسا، منذ عهد الجنرال ديغول، تجعلهما بسبب حرب أوكرانيا يتعايشان بسبب وجود قوات «فاغنر» في مالي وبوركينا فاسو واحتمال توسعها لتشمل النيجر، ما يجعل فرنسا تتجاوز محنتها وصراع مصالحها مع الولايات المتحدة؟ وهل ستقف فرنسا مع أميركا في مواجهة التغلغل الصيني في القارة؟ أم أن الحالة هنا مختلفة؟

ربما فقدت فرنسا مؤقتاً نفوذها في الساحل الأفريقي، ولكنها قطعاً لم تخسر كامل بقية أفريقيا!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا بعد الانسحاب الفرنسي من النيجر ماذا بعد الانسحاب الفرنسي من النيجر



GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 08:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon