توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأسد والمعارضة وهوامش «الشرق الأوسط الجديد»

  مصر اليوم -

الأسد والمعارضة وهوامش «الشرق الأوسط الجديد»

بقلم - سميرة المسالمة

أوضحت قمة هلسنكي الأميركية- الروسية أولويات البلدين، وعلى هامشها ما يحدث على الساحة السورية، لكن ليس كما تحاول وسائل الإعلام تقديمها، من تنافس بينهما على مناطق النفوذ في سورية، بل هي لحظة الحقيقة الضمنية، والتي عبرا عنها خلافاً لكثير من توهمات المحللين، الذين تموضعوا حول فكرة تنافسهما على الوجود العسكري في سورية، ليتفقا بحسب بوتين: «أن جيشي البلدين يعملان في شكل ناجح في سورية، متطلعين لتمتين التعاون بينهما». أي أن ما يحدث اليوم في ما سمي بمنطقة النفوذ الأميركي في جنوب سورية ليس من باب انتهاك اتفاق خفض التصعيد، وإنما هو تنفيذ عملي لكامل بنوده، حيث يعيد المناطق الحدودية مع كل من الأردن وإسرائيل إلى تحت سلطة النظام لضمان أمرين للشريكين في الاتفاق، وهما: أولاً، متابعة النظام تنفيذ اتفاقية 1974 المتعلقة بقواعد فك الاشتباك مع إسرائيل من جهة، وثانياً، استعادة المنفذ الاقتصادي مع عمان من جهة ثانية.

وعلى رغم تجاهل أن خلال كل ما حدث من حرب في سورية، لم يخرق، ولا لمرة واحدة، اتفاق فض الاشتباك مع إسرائيل من طرف النظام السوري، في الوقت الذي سجل على إسرائيل خرقها لهذا الاتفاق عشرات المرات قبل بدء الثورة السورية وخلالها.

ينص الاتفاق البيني الذي رعته كل من الأمم المتحدة، والاتحاد السوفياتي الذي ورثته روسيا الاتحادية، والولايات المتحدة الأميركية، على وقف إطلاق النار في البر والبحر والجو، ومن ضمن بنوده أن القوات الجوية للبلدين تتحرك ضمن حدودهما المحددة وفقه، وهو الأمر الذي لم تلتزم به إسرائيل على مدى عشرات السنين، بينما احتفظت سورية بحق الرد عليه حتى يومنا هذا، ما يعني أن النظام هو الأكثر حاجة اليوم لإعلان إسرائيل التزامها بالاتفاق وليس العكس، إلا أن عودة النظام إلى جنوب سورية كقوة حاكمة منزوعة البراثن الإيرانية، وبرغبة وموافقة إسرائيلية، من شأنه أن يمنح إسرائيل فرصة المضي قدماً في مطالبها بما يتعلق بهضبة الجولان، ومطامعها في إقرار المجتمع الدولي بضمها رسمياً إلى إسرائيل، وإنهاء ملف القرارات الأممية التي رفضت قرارات الكنيست 1981 وأدانتها، لفرضها ضم الجولان والقدس.

القمة المشتركة في العاصمة الفنلندية هلسنكي اختصرت المسألة السورية بوصفها من «هوامش» ضمان أمن إسرائيل، وهو تماماً ما يمكن القياس عليه عندما يقوم التفاهم الروسي- التركي بأن المسألة السورية تأتي على هامش ما يضمن أمن تركيا، وهي على هامش ما يضمن أمن إيران، التي تقدمت في سورية لتجعلها ساحة حرب لتصفية حساباتها وخلافاتها، وتأمن من خلالها بإبقاء الحرب عليها خارج حدودها، سواء في سورية أو العراق أو لبنان أو اليمن، ولجعل كل ملف قابل للمقايضة فيه، وعليه، ضمن تسوياتها الدولية العربية والغربية والأميركية، وليس لضمان أمن النظام ، كما يدعي كل من الطرفين، النظام وإيران، وكذلك لضمان أمن كل الدول المتصارعة على سورية سواء عبر جيوشها و «مستشاريها» وغرفها العسكرية وقواعدها، أو من خلال الفصائل المسلحة التي استخدمت كأذرع محلية لمشغليها الخارجيين.

في المحصلة سجلت أولويات القمة، بما يتعلق بالملف النووي الإيراني، وإعادة تهذيب سلوك إيران في منطقة الشرق الأوسط، لتجلس من جديد على طاولة التطبيع مع أميركا بوساطة روسية وبمقايضة أمن إسرائيل، تجاهلاً للكثير مما جاء في الشروط الـ12 التي أعلنها مايك بومبيو وزير خارجية ترامب في شهر أيار (مايو) من هذا العام، حيث تجاوز الرئيس الأميركي ما يتعلق بسحب جميع القوات التي تخضع للقيادة الإيرانية من سورية، ووقف تقديم الدعم للتنظيمات الإرهابية، ومنها حزب الله الذي يخوض اليوم معاركه إلى جانب النظام على الحدود مع إسرائيل، وبموافقتها، وكذلك دعمها لـ «حماس» والحوثيين في اليمن، و «طالبان»، ومسلحي «القاعدة»، والتعامل باحترام مع الحكومة العراقية، وعدم عرقلة حل التشكيلات الشيعية المسلحة ونزع سلاحها، أي أننا أمام شروط مخففة جديدة، تفرزها التفاهمات والتنازلات المتبادلة بين الجانبين الأميركي والإيراني، وضمن صفقة موسعة لا تنهي الدور الإيراني نهائياً، وإنما تعيد صياغته وفقاً لمهمات جديدة له في المنطقة، تحت الرقابة الروسية وسيف العقاب الإسرائيلي.

إن الأمنيات التي سبقت انعقاد الاجتماع بين الرئيسين، وأخذت معظم صفحات وزمن المنابر الإعلامية العربية، تشير إلى تموضعنا المكاني والزماني حول الإرادة الأميركية من جهة، وتفاعلات خلافاتها أو مصالحاتها مع نظيراتها من جهة ثانية، أي أننا ننظر إلى حل مشكلاتنا العربية من باب التمني، والقبول بما يتوافق عليه الآخرون، في تسليم كامل لما سعت له إيران عبر ممارسة دورها التخريبي في المنطقة، وتحويل الصراع من عربي- إسرائيلي، إلى سني- شيعي- داخلي، أكثري وأقلي، ما فسح المجال لتدخلات موازية تركية تحت مسمى المساندة للغالبية السنية، التي جمعها النظام في مناطق الشمال في أكبر عملية تغيير ديموغرافي تحدث تحت نظر ومسامع الأمم المتحدة، وبرعاية أطراف ثلاثي آستانة (روسيا، وإيران، وتركيا) وبشراكة تامة مع النظام كطرف، وبعض القوى المحسوبة على المعارضة السورية كطرف مقابل، وهو ما يمكن أن يتطور إلى أشكال جديدة من الصراع منها:

- إبقاء المكون السني مقيداً بمنطقة جغرافية محددة هي مناطق النفوذ التركي التي يمكن أدلجتها ودفعها باتجاه مطالبات بالانفصال عن سورية، وهذا ما بدأ العمل عليه من جهتين بالتوازي: النظام لإثارة المخاوف، وأصحاب الثورة المضادة من قوى إسلامية متطرفة وتعمل لأجندات غير سورية أساساً.

- الدخول في حرب استنزاف طويلة بين النظام والفصائل الموجودة داخل هذه المنطقة، لإبقاء حالة الصراع قائمة بعيداً من حدود إسرائيل، ولممارسة ضغوط دولية على تركيا من خلال اشتعال دائم لمناطقها الحدودية.

- تخلي تركيا عن الفصائل لمصلحة اتفاق روسي- أميركي- تركي، يكرر سيناريو المنطقة الجنوبية، لإعادة بسط النظام ولو شكلياً عليها، وبالتالي إنهاء الفصائل المسلحة بعملية عسكرية مدبرة، تكون فيها المصلحة التركية بما يتعلق بحدودها وأمنها القومي محفوظة، على حساب مصلحة المعارضة، وبدم السوريين الموجودين في المنطقة بحكم اتفاقات التهجير القسرية التي تمت كاتفاق التهجير «العار» لسكان المدن الأربعة، وتلتها بقية المناطق، وملاحقات النظام الأمنية لهم أو لأولادهم.

ضمن المشهد غير المنطقي لمجريات القمة في هلسنكي، وما بعدها من تصحيحات، تكاد أولوية السوريين تكون معرفة أنهم لم يعودوا مركز الحدث، ولا حتى مضمون الخبر، فهم دولياً وبحسب جناحي الدعم سواء الروسي للنظام، أو الأميركي للمعارضة، مجرد هوامش تابعة لأمن الدول الحدودية، والإقليمية، والعالمية المتصارعة في سورية، لحسابات لا علاقة لها بثورة السوريين من أجل إقامة الدولة الوطنية، ولا بمساندة الأسد للحفاظ عليه كرئيس لدولة استبدادية. هي حسابات الشرق الأوسط الجديد الذي رسمت ملامحه الولايات المتحدة الأميركية عام 2005 على لسان وزيرة الخارجية آنذاك كوندوليزا رايس، بنظرية الفوضى الخلاقة، وتنفذه ببراعة لصوصية روسيا بوتين الاتحادية، بألوان من دم السوريين وعلى أجسادهم.

نقلا عن الحياة اللندنية

لمقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأسد والمعارضة وهوامش «الشرق الأوسط الجديد» الأسد والمعارضة وهوامش «الشرق الأوسط الجديد»



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon