توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إيران القاتلة والمقتولة في سورية

  مصر اليوم -

إيران القاتلة والمقتولة في سورية

بقلم - سميرة المسالمة

 عديدة تلك الرسائل الموجهة إلى إيران دولياً، ولكنها حتى اليوم رسائل تدور في فلك تغيير الدور الوظيفي لإيران وليس لإلغائه، ومن هنا يمكن فهم حالة الخلاف الفرنسي (وهي على الأغلب تمثل وجهة نظر الدول الأوربية) مع الموقف الأميركي، بما يتعلق بإنهاء الاتفاق النووي الموقع بين الدول الست (الولايات المتحدة الأميركية والصين وروسيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا) مع إيران نيسان (ابريل) 2015) في لوزان، وعلى رغم وصف الاتفاق بالتاريخي آنذاك من قبل الرئيس الأميركي باراك أوباما، إلا أن إيران أصبحت تحت أضواء الرقابة الدولية أكثر من ذي قبل، واتخذت إسرائيل قيادة هذه المهمة على عاتقها منذ أن أعلنت «أن الاتفاق خطأ تاريخي»، وأنه يسهل الطريق على إيران حيازة القنبلة النووية التي تهدد وجودها، وهذا ما جعل إسرائيل تربط بين التهديد الإيراني لها من خلال برنامجها النووي، ووجود أحد اشهر الألوية الإيرانية (فيلق القدس) على الأراضي السورية وقرب الحدود معها، ما جعلها تفرض عقوباتها الخاصة على إيران في شكل انفرادي وعملي، من خلال الضربات المتكررة التي وجهتها ضد القواعد والمراكز الإيرانية وما يتصل بها.

وإذ لا يمكن تجاهل أن تلك الضربات، التي تعامل معها النظام السوري على انها من جهة مجهولة، كانت مؤلمة ليس لإيران فقط في سورية، ولكن لإيران في لبنان، وإيران في إيران، سيما انها لا تحمل التوقيع الإسرائيلي فقط بل تحمل معها التهديدات الأميركية المسبقة الصنع، التي تم تكرار الإعلان عنها لتأكيدها خلال لقاء ترامب- ماكرون، في 26 نيسان المنصرم، وقبل ذلك عبر مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن. في المقابل يبدو شبه الصمت الروسي، أيضاً، وكأنه يحمل رسائل روسية إلى كل من إسرائيل وإيران والنظام السوري، بينما يرقى صمت المجتمع الدولي إلى مستوى الحياد الإيجابي، إلى جانب الضربات الإسرائيلية التأديبية والتحذيرية، والتي يعجز عن توجيها المجلس التزاماً بمواثيق نشأته، وضمن التفاهمات الروسية الإسرائيلية فإن عبور الصواريخ إلى مناطق تمركز القوات الإيرانية لا يمكن أن يكون من دون إشارات توافق متبادلة بين الطرفين، قد يكون الصمت أحدها.

يستنتج من ذلك أن إيران تعرف حجم خلافاتها الدولية، وتدرك من خلالها أن المواجهة العسكرية معها مقبلة، وأنها عندما اختارت أن تقود معركة النظام السوري ضد السوريين المتظاهرين ضده، لم يكن ذلك خدمة للرئيس الأسد كما يحاول أنصاره الترويج، ولكن لأن إيران تريد ساحة حرب خارجية احتياطية لها، تدير معركتها عليها وبها، محاولة منها لإبعاد خطر المعركة عن أراضيها، لأنها في تلك الحالة سيكون بإمكانها زعزعة أركان النظام فيها، لذلك يمكن القول إن إيران هيمنت على الأرض السورية، ورهنت النظام لخوض معاركها المرتقبة مع الآخرين، ومنهم، وليس كلهم، إسرائيل.

وبالمقابل لم تستطع إسرائيل ولن تستطيع تجاهل الخطر الإيراني المحيط بها، ليس لأن إيران ستفتح معركة معها، بل لأن إيران تمارس دور التغيير المنهجي الإيدلوجي، الذي يسمح لها لاحقاً باستخدام شعوب هذه الدول - التي تغزوها فكريا وطائفياً وعسكرياً- كأدوات لها في حرب مصلحية إيرانية ضد إسرائيل، أي أن تلك الحرب لا علاقة لها بالحقوق الفلسطينية، ولا بتحرير القدس، وإنما هي حرب إيدلوجية اقتصادية وسياسية، على النفوذ الإقليمي، أي انها خالية تماماً من أي مصلحة فلسطينية أو عربية.

في الجانب الآخر لا يمكن تجاهل أن هذه الضربات الإسرائيلية لها دلالاتها في لبنان، حيث المعركة الانتخابية في مراحلها الملهمة للناخبين، وهي بذلك تحاول أن تقول كلمتها أيضاً بهذه الانتخابات، من خلال وضع حزب الله في حجمه الحقيقي، بعيداً عن استغلاله بسطاء المنتخِبين (بكسر الخاء) بشعارات المقاومة، التي خرست امام الضربات الإسرائيلية لمحور المقاومة الثلاثي (إيران وحزب الله والنظام السوري) المتمركز عسكرياً في سورية، أي أن إسرائيل الحيادية في الحرب السورية بين النظام والمعارضة، ليست كذلك في لبنان حيث تختلف أجنداتها، فبينما لا تجد أن بقاء النظام السوري حاكماً لسورية يضر بأمنها، إلا بحدود تعاونه الكيماوي مع إيران، فإنها ترى في حزب الله ما يعكر صفوها، باعتباره جزءاً من ولاية الفقيه، وليس جزءاً من حكومة لبنان. ما يعني أن لبنان ليس بعيداً عن أي أجواء ستسود المنطقة حرباً ام سلاماً.

وانتهجت إيران حق كظم الغيظ بمواجهة الضربات الإسرائيلية المتكررة على مواقعها، وما هو في سياقها (مواقع حزب الله ومراكز الدراسات البحثية السورية)، معتبرة أن حصر الصراع بينها وبين الولايات المتحدة وإسرائيل على الأرض السورية يجنبها التذمر الشعبي في إيران، ودرء خطر إسقاط النظام على يد المعارضة التي بدأت حراكها في طهران، وتدفيع سورية ثمن وقوف إيران إلى جانب النظام السوري في حربه ضد شعبه، أي أننا إزاء تضحية إيران بسورية، وقبول النظام بأن يدفع الشعب السوري ثمن حربين واحدة ضده، والأخرى ضد من هم مع نظامه.

وضمن كل هذه المواجهات التي تتبلور، فإن التعويل على أن الولايات المتحدة ستنهي الاتفاق النووي المبرم يبقى ضمن إطار الجدليات والتـــفاهمات والصفقات، مايعني أن الأرجحية لتعديل الاتفاق بما يخدم المصلحة الأميركية، ويبدد مخاوف إسرائيل، ويضمن المصلحة الأوروبية التي لا ترى أن إنهاء الاتفاق يوفر حالة أمان لأوروبا وللعالم، وبالمحصلة يضع يد أميركا على كل التجربة الإيرانية النووية، وأن كل هذه المقدمات العدائية لإيران لا يمكن ترجمتها حتى اليوم باعتبار أن ما تريده الإدارة الأميركية إنهاء أدوار إيران في المنطقة، وإنما تعديل هذه الأدوار، بعد أن أحسنت إيران خلال العقدين الماضيين بإدارة الصراعات في المنطقة العربية، لمصلحة تأزيمها، وتوسيع رقعتها لتكون الولايات المتحدة هي المنقذ لها.

لذلك ليس علينا كسوريين وعرب التعويل بهكذا حرب باردة فعلى الأكثر نحن أمام حالة تقليص الدور الإيراني في سورية، حيث يخف عبء القتال الطائفي، بما يسمح أكثر بالحديث عن تسويات سياسية وفق الرغبة الأميركية المراعية للأمن الإسرائيلي ومتطلباته، وهي (أي الولايات المتحدة) غير متضررة من الوجود الروسي، بل وتسعى إلى عقد تفاهمات جادة معه، كما يمكنها عقد صفقة مع تركيا لمصلحة طمأنتها شمالاً وشرقاً، من دون أن تتخلى عن فكرة سورية اللامركزية التي طرحتها خلال اجتماع باريس مع مجموعة العمل المصغرة في 23 كانون الثاني (يناير) 2018، وعادت وأكدتها ضمناً في اجتماعها الثاني الذي ضم إليها ألمانيا (29 نيسان)، عندما تحدثت عن حاجة تفعيل المسار السياسي من خلال وقف اطلاق النار، وإجراء إصلاحات دستورية وتنظيم انتخابات جديدة، وهو الأمر الذي يتيح للسوريين إقامة نظام حكم جديد منقطع تماماً مع النظام الرئاسي المركزي السابق، ويمهد لحكم برلماني يؤسس لمساواة بين كل السوريين بمختلف مرجعياتهم القومية والمذهبية والإيديولوجية، عبر غرفتي تمثيل نيابي، أي ما يضمن حقوق الأكراد مع ضمانات لتركيا بألا تشكل هذه الحقوق أي خرق لأمنها القومي.

ولعل أهم ما يمكن التعويل عليه لاحقاً أن إيران التي أخذت دور القاتل للشعب السوري، قد تكون ضمن أعداد المقتولين دولياً وتعثر نظامها شعبياً، ما يتيح الفرصة للانتقال من ربيع الثورات العربية إلى حركات التحرر الشعبية التي تتقد شعلتها يوماً إثر يوم في إيران، القاتلة والمقتولة في سورية.

نقلا عن الحياة اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران القاتلة والمقتولة في سورية إيران القاتلة والمقتولة في سورية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon