توقيت القاهرة المحلي 22:17:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

درعا اختبار المصالحة الأميركية - الروسية

  مصر اليوم -

درعا اختبار المصالحة الأميركية  الروسية

بقلم - سميرة المسالمة

 تستخدم روسيا اتفاق خفض التصعيد الموقع حول جنوب سورية في شهر تشرين ثاني (نوفمبر) من العام الماضي كمصيدة لإيران من جهة، وللولايات المتحدة الأميركية من جهة ثانية، وللنظام السوري من جهة ثالثة، وهو الذي لا يزال يعتمد حالة العناد والتحايل والتلاعب بين الرغبة الإيرانية، والإرادة الروسية، في تنفيذ متطلبات التسوية الروسية المقترحة، فتأزيم الأوضاع في منطقة خفض التصعيد في الجنوب (وهي الطرف الضامن المقابل للطرف الأميركي) من شأنه أن يمارس ضغطاً باتجاهين: الضامن (الولايات المتحدة والأردن) والمضمون (فصائل الجنوب المسلحة والنظام)، كما أنه قد يثير شهية التساؤلات لدى المعارضة عن فاعلية اعتمادهم على الجانب الأميركي في إجراءات التسوية العسكرية والسياسية في آن معاً.

وتعتقد موسكو أن التهديد بانفجار الوضع في الجنوب السوري من شأنه أن يلزم كل الأطراف المتضررة (المعارضة والأردن وإسرائيل) للتحرك باتجاه تسوية قابلة للتطوير، من شأنها أن تنهي حالة الركود السياسي التي تخشاها موسكو، نتيجة الموقف الأميركي المتحفظ على نتائج جولات آستانة التسعة، واعتبارها مساراً جانبياً لن يفضي إلى حلول شاملة، حيث إيران الطرف الثالث فيها إلى جانب روسيا وتركيا. ما يعني أن عدم التزام كامل المعارضة بمشروع موسكو في آستانة وسوتشي ترده روسيا إلى الموقف الأميركي، الذي يرفض انفرادها بالحل من دون النظر إلى مصالحها مع بقية الشركاء من الأوروبيين، وعلى ذلك فإن إثارة المخاوف لدى المعارضة، عن إمكانية خرق اتفاق خفض التصعيد من قبل النظام السوري، وإعادة التجربة الأليمة التي حدثت في الغوطة والقلمون، وقبلها حلب وحمص، يجبرهم على البحث في حلول توفر على منطقة حوران «مهد الثورة» ما ينتظرها من تدمير وقتل وتشريد لأهاليها من ناحية، ومن ناحية أخرى يحفز الجانب الأردني المتضرر من أي حرب تقوم بمحاذاة حدوده على تسريع عجلة التفاوض، والوصول إلى تسويات توفر له استقرار معابره مع سورية، وكذلك يثير شهية «إسرائيل» في ترتيب أوضاع حدودها التي تريدها خالية من الوجود الإيراني.

إذاً تلويح النظام بالمعركة المقبلة في درعا ليس من بنات أفكاره، على رغم أنها تمثل رغبته في استعادة السيطرة على الحدود مع كل من الأردن وكذلك دولة الاحتلال، لما يوفره ذلك من مردود اقتصادي عبر فتح المعبر الذي حرم منه النظام لسنوات طويلة إثر سيطرة فصائل الجيش الحر عليه عام 2013، ومن مردود سياسي يعيده إلى ممارسة دوره الوظيفي في الحفاظ على الهدنة البينية مع إسرائيل، إلا أن ما يترتب عن إعلان هذه المعركة «الإعلامية» من نتائج، يأتي ضمن سياق «اضطراره» تنفيذ رغبة روسيا في الالتزام بالمطالب الأميركية، والتي تصب في مصلحة موسكو، بينما تقوض آمال النظام في الإبقاء على حليفته إيران كعامل توازن له في مواجهة الغطرسة الروسية عليه، حيث كان يعول على المساندة الإيرانية لاستعادة كامل سورية، لخلق تسوية شكلية مع المعارضة تنهي فيها مفاعيل الثورة التي اندلعت عام 2011، وتؤسس لإعادة إنتاج النظام وفق مبادرة سوتشي ذات الضمانات الروسية والإيرانية والتركية.

وهذا ما جعل موسكو تقر أكثر من مرة أنها لا تستطيع أن تلوي يد النظام السوري وحدها، بسبب الوجود الإيراني في سورية، ودعمه منقطع النظير لحليفه الأسد، ما مكّنه من التواطؤ مع إيران ضد روسيا خلال عقدها اتفاقيات التسوية مع المعارضة، والتي يعتبرها النظام تقوض من صلاحياته في مناطق خفض التصعيد، ما وفر له بالتعاون مع إيران المرغمة على القبول بآستانة، القدرة على التحلل من هذه الاتفاقات ذات الضمانة الثلاثية المشتركة بين حليفيه، وتركيا حليفة الفصائل المحسوبة على المعارضة، وأن يخوض معاركه الوحشية التي أدت إلى استرجاع تلك المناطق بعمليات عسكرية، قتل فيها المئات وشرد عشرات الآلاف من السوريين داخل وخارج سورية، إلا أن النظام يدرك الآن أن اللعب مع الولايات المتحدة ضمن منطقة خفض التصعيد في الجنوب من دون التنسيق مع روسيا يعني انتهاء مرحلة الصمت عليه، أميركياً وإسرائيلياً، ما يعني أن المعركة «في حال وقوعها» يجب أن تكون وفقاً للشروط التي تريدها إسرائيل أي خالية من المشاركة الإيرانية، وغير ذات ضجيج يقلق المستوطنين فيها، وتضمن المصالح الأردنية في ذات الوقت ما يجعل خيار التسوية أسهل من خيار الحرب على الطرفين: النظام العاجز والمعارضة المقيدة.

ومن هنا فإن النظام الذي تكبله إيران بجملة اتفاقيات ومديونية كبيرة، يصعب عليه أن يطلب من إيران الخروج من سورية حسب الرغبة الإسرائيلية، التي نقلها الرئيس بوتين خلال لقائه ببشار الأسد في سوتشي في 17 أيار (مايو)، ما يعني أن التحضيرات لمعركة الجنوب هي مجرد مسرحية هدفها التحرش بإسرائيل، لوضعها في حالة المواجهة المباشرة مع إيران، وبالتالي اتخاذ الإجراءات اللازمة من قبلها مع حليفتها الولايات المتحدة لممارسة ضغوطهما على النظام الإيراني، للخروج بإرادتها من مسرح الوقائع السورية، ما يوفر على النظام الحرج، وعلى موسكو المواجهة مع إيران، وإضعاف تحالفها معها، الذي تعتبره روسيا أحد أوراقها الرابحة في التفاوض مع كل من أميركا والغرب.

وبالعودة إلى الاتفاق الموقع بين الجانبين الروسي والأميركي، فإنه أساساً يضمن الخروج الإيراني وفق بنوده، التي شاركت الأردن فيه كضامنة لفصائل الجيش الحر الملتزمة بتنفيذه حتى اليوم، وهذا ما حركه من جديد الضغط الإسرائيلي من جهة، والحصار الأميركي على إيران من جهة أخرى، ونتج عنه التصريحات الإيرانية التي جاءت على لسان السفير الإيراني في الأردن مؤكدة خلو المنطقة من الوجود العسكري الإيراني، ليكون ذلك مقدمة لإذعان إيران للمطالب الأميركية، ولخوض اتفاقات من نوع جديد مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، لترتيب أوضاعها في كل من سوريا ولبنان والعراق واليمن، وانكفائها من دور القوة التوسعية في المنطقة، إلى دور الشريك الأمني في حفظ حدود إسرائيل كوظيفة مستقبلية، وضمان استقرار الحدود مع جيرانها لإنعاش الواقع الاقتصادي الذي تلعب المصالح الأميركية الدور الرئيسي فيه، أي أن ما يتم اليوم عقد التفاهمات عليه، من تسليم المعارضة لسلاحها الثقيل، ودخول الشرطة الروسية إلى المنطقة، وكذلك استعادة النظام لمعبر نصيب، وعودة مؤسسات الدولة للعمل تدريجاً، ما هو إلا جزء من الاتفاق الذي يعرف تفاصيله قادة الفصائل الملتزمة باتفاق خفض التصعيد، كما تعرفه المعارضة السياسية التي أعلن قادتها انتهاء الصراع مع النظام منذ إعلان البيان المشترك للرئيسين ترامب وبوتين، بعد حديث وصف آنذاك «بالمقتضب» خلال قمة أبك في فيتنام تشرين الثاني (نوفمبر) 2017.

إن استمرار نجاح الاتفاق المعلن في الجنوب، إنما يعبر عن حقيقة مفادها: أن الصراع في سوريا على رغم تعدد الجهات الدولية المتورطة فيه، وتحول الأطراف السورية المعارضة منها أو النظام على حد سواء إلى مجرد أدوات مقيدة بمصالح مشغليها، إلا أنه في النهاية يبقى بين طرفين أساسيين هما الولايات المتحدة وروسيا، وما لم يتوصلا إلى اتفاق سياسي مماثل للصراع في سوريا يفرض بقوة الوجود العسكري والدبلوماسي لهما، فإن كل حديث عن تفاوض مقبل يبقى في إطار التسويق الإعلامي للجهات الراعية له، حتى ولو كانت الأمم المتحدة نفسها، فهل تكون درعا هي اختبار المصالحة الفعلية بين الإرادتين الأميركية والروسية حول سورية.

نقلا عن الحياة اللندنية

لمقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

درعا اختبار المصالحة الأميركية  الروسية درعا اختبار المصالحة الأميركية  الروسية



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري

GMT 18:33 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميا خليفة تحضر إلى لبنان في زيارة خاصة

GMT 14:47 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

الحضري على رأس قائمة النجوم لمواجهة الزمالك

GMT 11:13 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

ما وراء كواليس عرض "دولتشي آند غابانا" في نيويورك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon