بقلم : سميرة المسالمة
تعيش سورية يوميات حرب دامية منذ ما يقرب من سبع سنوات، وعلى رغم البيانات الدولية والمبادرات العربية منذ الأشهر الأولى لانطلاقة الثورة السورية عام 2011، ومن ثم دخول المسار التفاوضي الأممي «جنيف» لحل الصراع في سورية منذ عام 2014 وحتى اليوم، فإن أياً من شعارات التهدئة، وضبط النفس، والتعاطي مع القرارات الدولية، بما يتعلق بوقف إطلاق النار، وإنهاء حصار النظام السوري للمدن والمناطق السورية، لم يجد طريقه إلى التنفيذ، أو أخذه على محمل الجد من قبل القوى الفاعلة على الأرض، سواء مع النظام أو المساندة للمعارضة، وعلى أن كل هذا الضجيج القراراتي والإعلامي الدولي، وحتى الضربات التأديبية للنظام السوري سواء في مطار الشعيرات وبعدها مواقع بحث وإنتاج السلاح الكيماوي، التي تمت تحت بند معاقبته على استخدام السلاح الكيماوي، وتجاوزه الخط الأحمر، والتي نفذتها كل من الولايات المتحدة الأميركية وحيدة في المرة الأولى ومع شريكتيها فرنسا وبريطانيا في المرة الثانية، وفي الحالتين لم تستطع خفض مستوى العنف، ما ترك الفرصة متاحة لاستمرار العمليات العسكرية للنظام وحلفائه لوضع أساسيات التسوية السلمية، على أساس نتائج المعارك القتالية، التي أسفرت عن تدمير مدن عدة منها الغوطة ودوما وقبلها حلب وحمص واليوم مخيم اليرموك وضواحي الحجر الأسود وما حولهما.
ويصادف المتابع لتصريحات المبعوث الدولي الخاص لسورية ستيفان دي ميستورا منذ توليه مهمته في تموز من عام 2014، وحتى مؤتمره الصحافي الذي جمعه مع وزيرة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، أنه مع كل معركة يخوضها النظام لاسترجاع المناطق التي خرجت من تحت سيطرته يشدد على أن المفاوضات هي الطريق الوحيد إلى التسوية، وأن الحلول العسكرية لن تغير خريطة الطريق إلى الحل السياسي، وعلى رغم متابعة تحذيرات المبعوث الأممي لئلا تكون حلب كمصير حمص، ثم تقع الكارثة الإنسانية والقصف الوحشي، وتسقط حلب، لينتقل إلى تحذير آخر عن الغوطة التي يخشى أن يكون مصيرها كمصير حلب، ولا تجد الأمم المتحدة سبيلاً للتدخل ووقف نزيف الدماء، إلا من خلال المحاولات الفاشلة لاتخاذ قرارات وصل تعدادها إلى 17 قراراً، جميعها كان مصيرها التعطيل، ولتحدث المأساة في الغوطة وبعدها مخيم اليرموك والحجر الأسود بأبشع صورها.
واليوم يحذر المبعوث الدولي ومعه وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي من المصير الذي ينتظر إدلب حيث لن يكون أفضل حالاً من الغوطة، ما يستوجب من جديد السؤال حول دور الأمم المتحدة، ومسؤوليتها عن كل التطورات الدراماتيكية التي أنتجت مئات الآلاف من الضحايا، وملايين المهجرين، ونحو مليون معوق، وحولت نحو سبعين في المئة من الشعب السوري إلى ما دون خط الفقر؟ فهل اقتصر دور المبعوث الأممي أن يعدد خسائرنا، ويمهد لما هو قادم منها، عبر تحذيراته التي لم تتخذ مؤسسته الدولية «الأمم المتحدة» أي إجراء يحول دون الوصول إلى نتائجها الكارثية، على رغم معرفة ما سيفعله النظام بناء على سياق النماذج التي يحذر منها دي ميستورا نفسه؟
إن كل الأطراف المتصارعة في سورية، وعليها، تدرك أن أي حل سياسي لن يكون من دون قوة عسكرية يستند إليها في فرض وجوده على مقعد التفاوض الحقيقي، فالمعارك التي تخوضها روسيا ومعها إيران ما كانت لتتمظهر بهذه الشراسة والعنف، إلا ليكون لهما موطئ قدم في الحل السياسي القادم جنباً إلى جنب مع النظام، وفي الطرف المقابل تدرك المعارضة السورية ومعها «أصدقاء الشعب السوري» أن انحسار سيطرة الفصائل على ما سمي «المناطق المحررة» قوض من حصصهم الفعلية على طاولة الحل السياسي، لأن البندقية «مجازاً» هي صاحبة القول الفصل حتى اليوم، في تحديد مساحة كل طرف ضمن التسويات المأمولة، وهو ما جعل من تركيا الدولة الأكثر التصاقاً بالمعارضات السورية سواء بشقها السياسي «الائتلاف»، أو بشقها المسلح وبخاصة الفصائل ذات الأيديولوجيات الإسلامية على اختلاف تسمياتها وقربها وبعدها من الوسطية المقبولة سورياً، تجد لها مكاناً إلى جانب الدولتين المساندتين للنظام السوري، ما يعني إعلانها تغيير هدفها ودورها الوظيفي، من مساندة المعارضة التي تهدف إلى إسقاط النظام إلى مساندة أصدقاء النظام، ومن مساعدة المعارضة في تحرير مناطقها، إلى مساهمتها في وضع تلك المناطق تحت هيمنة نفوذها المباشر وبالتالي تفاهماتها مع شركائها من الإيرانيين والروس.
ومن هنا لا يمكن التعويل على تصريحات المبعوث الدولي حول الحل السياسي، وعدم قدرة الحلول العسكرية على تغيير خريطته، حيث استطاعت المعارك التي خاضتها روسيا في سورية والتحالفات التي عقدتها إلى إحلال مرجعيات جديدة في الحل السياسي الأممي بعيداً من مرجعية بيان جنيف 2012، ليصبح اليوم القرار 2254، الذي فرض على المعارضة ضمن وفدهم التفاوضي شركاء جدداً يوالون موسكو، ويدافعون عن مصالحها، علماً أنه الشق الوحيد في هذا القرار الذي وجد طريقه إلى التنفيذ، من خلال تشكيل هيئة التفاوض عام 2017، في حين تم التغاضي عن تنفيذ أهم بنود 2254، وهي إجراءات بناء الثقة التي تفرض على النظام إنهاء الحصار على المدن، ووقف العمليات القتالية، وإطلاق سراح المعتقلين.
وكذلك فإن روسيا المنتصرة في حلب بفعل شراكتها الجديدة مع تركيا، والتي أسهمت في تدمير الغوطة الشرقية على رغم اتفاقي خفض التصعيد اللذين وقعتهما موسكو مع الفصائل المسلحة «المعارضة»، وروسيا ذاتها «المنتصرة عسكرياً» هي التي حولت اليوم ما نتج من اجتماع المعارضة الذي لم تحضره «المعارضة» والنظام «الخلبي» في سوتشي إلى أحد مرجعيات العمل الأممي، أي أن منطق التسويات منذ عام 2014 وحتى اليوم يقوم على أساس القوة المفرطة المستخدمة ضد السوريين المعارضين للنظام، وليس بناء على الحقوق المشروعة للشعب السوري في إنهاء نظام استبدادي وإقامة دولة ذات حكم غير طائفي يتمتع فيها كل السوريين بحقوق مواطنة فردية وجمعية كاملة.
ليس من قبيل الإيمان بالحلول السياسية لجوء الولايات المتحدة الأميركية وكل من فرنسا وبريطانيا إلى استخدام القوة المسلحة لفرض وقائع جديدة في العملية التفاوضية، على رغم أن ما نتج من الإعلان عن إمكان استخدام القوة من هذه الدول ضد النظام عبر وسائل التواصل الاجتماعي كانت له مفاعيل أقوى، وأهم بالنسبة للسوريين، حيث للمرة الأولى يتوقف طيران النظام وروسيا والميليشيات الإيرانية عن ممارسة أعمالهم القتالية لنحو 72 ساعة، بينما سرّع تحويلها إلى عملية عسكرية غير ذات جدوى، في إنهاء الاستراحة القتالية، وعودة آلة الحرب إلى الحياة السورية، حيث تابعت أعمالها في الغوطة ومخيم اليرموك والحجر الأسود، وتستعد للتمدد على وسط وشمال البلاد وفق المبعوث الدولي «المتخوف» من أن يصبح مصير إدلب مثل «الغوطة الشرقية»، ما يؤكد أن الحلول التي تنتظر السوريين هي حلول مرتهنة بالتقدم العسكري والانتصار الميداني، ومبنية على أساس تقاسم النفوذ وفق جملة التفاهمات الدولية التي تنتظرها الأمم المتحدة لتحديد ملامح التسويات المقبلة النهائية، استعداداً لإطلاق الحل السياسي «المسلح»، الذي يتأسس من جديد على التفاهمات الأميركية- الروسية من دون تغييب مصالح الشركاء الأوروبيين، وغالباً على حساب حصة كل من الدول الإقليمية إيران وتركيا.
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع