توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سنبقى شعوباً هامشية إن لم نمكّن المرأة

  مصر اليوم -

سنبقى شعوباً هامشية إن لم نمكّن المرأة

بقلم : حميد الكفائي

 عوامل التأخر والتراجع في مجتمعاتنا كثيرة ولعل أهمها هو تهميش، ربما تغييب، دور المرأة في مختلف مناحي الحياة. فالعائلة العربية مازالت تهتم بأفرادها الذكور بينما تهمل الإناث إهمالاً متعمداً، والتفكير السائد يعتبر وظيفتهن الأساسية هي "الإنجاب وتربية الأطفال" وإطاعة "أولي الأمر" من الرجال.

لقد أضرّ هذا الموقف بالرجال والنساء معاً وأضعف الدولة والمجتمع، فالذكور الذين يتربون في كنف نساء يفتقرن إلى التعليم والثقافة ينشأون ناقصي ثقافة وتجربة، لأن المرأة هي في النهاية أم الذكور والأناث، وهي الأكثر تأثيراً في أبنائها وبناتها من الأب، ومن هنا فإن تعليمها سينعكس إيجاباً على المجتمع ككل.

إن كانت المرأة متعلمة ومثقفة وذات تجربة مهنية فإن الأبناء سينشأون أعضاءَ نافعين ومبدعين في المجتمع ويساهمون في تعزيز الدولة وتقدمها. قد تبدو هذه المسألة بديهية، وهي كذلك، لكن معظمنا يؤمن بها نظرياً فقط، أما على صعيد الأفعال فلم نفعل إلا القليل لتعزيز مكانة المرأة في المجتمع، فهي مازالت تعتمد على الرجل في كل شيء، وحتى النساء العاملات لا يتحكمن بإيراداتهن بل ينفقنها على أفراد العائلة وكأنها ليست لهن.

أهم نقطة ضعف في مجتمعاتنا هي غياب دور المرأة الفعلي، وإن أردنا حقاً أن نحصّن مجتمعاتنا ضد الضعف ونجعلها متماسكة ومنتجة وقوية فيجب أن نعالج هذا الخلل الذي أبقانا متخلفين عبر السنين وسيبقينا كذلك إلى أبد الدهر. يجب أن نمتلك الجرأة في تشخيص العلة ثم نعمل بجد على معالجتها. والعلاج لا يمكن أن يأتي من المجتمع الذي مازالت فيه مؤسسات المجتمع المدني هامشية أو غائبة، ولا من النظريات والأفكار البالية التي اجتررناها لمئات السنين وما زلنا نفعل متوهمين بأنها ستقودنا إلى خير. الحل يجب أن تضطلع به الحكومات الراغبة حقاً في إحداث تغيير حقيقي في المجتمع ومواكبة ركب العالم المتقدم.

يجب أن تكون هناك خطط مدروسة وطويلة الأمد للنهوض بالمرأة ثقافياً واقتصادياً، ولن تكون العملية سهلة إزاء تقاليد ذكورية راسخة يعتبرها المجتمع جزءاً من ثقافته بل إن البعض أضفى عليها قدسية واعتبرها جزءاً من الدين بهدف إدامتها وإعاقة أي محاولة لتغيير الواقع.

يمكن البدء بخطوات غير خلافية تهدف إلى تحصين المرأة اقتصادياً. منها مثلاً إلزام المؤسسات والشركات والجامعات والمجالس بتخصيص نصف وظائفها ومقاعدها للمرأة، مع السماح ببعض الاستثناءات. لكن هذا الإجراء على أهميته لا يحل المشكلة، لأنه سيتوقف عند توظيف الراغبات في العمل أو اللائي يسمح لهن مجتمعهن وظروفهن بالعمل، فهناك دائماً من يعرقل مسعى المرأة إلى أن تلعب دوراً فعالاً، سواء في البيت أو البيئة الاجتماعية أو موقع العمل.

يجب أن يكون التعليم الابتدائي والثانوي إلزامياً كي نضمن وجود حد أدنى من التعليم للجميع، ويمكن أن تُقدم مكافأة مالية مجزية للمرأة التي تكمل تعليمها الجامعي وعندها نكون قد ضمنا تعلم معظم النساء، والتعليم سيمكنهن من أن يلعبن دوراً إيجابياً فاعلاً في المجتمع.

بإمكان الدول المقتدرة أن تذهب أبعد من هذا وتسنّ قانوناً يعطي المرأة مرتباً يعادل المرتب الإسمي للموظف العادي كي تتمكن من الإنفاق على نفسها وتلبية احتياجاتها وتتحرر اقتصادياً من التبعية للرجل، والتي تنطوي في أحيان كثيرة على ذل ومهانة، خصوصاً في المجتمعات الذكورية المتخلفة. مثل هذا الحق، الذي يجب أن يكون مضموناً قانوناً ويشمل النساء جميعاً من المهد إلى اللحد، سيُحدِث نقلة نوعية في مجتمعاتنا على الأمد البعيد ويجعلها قوية ومنتجة ويساهم في جعل جميع أفراد المجتمع ناشطين ومساهمين فيه.

قد يقول قائل إن هذا الحل باهظ الثمن وإن دولنا غير قادرة على اجتراحه، لكننا لو نظرنا إلى مساهماته في الاقتصاد وتطوير المجتمع فسنرى أنه نافع على الأمدين القريب والبعيد. على المدى القريب ستساهم هذه المنح المالية في تنشيط الحركة التجارية في البلد وكثير من الدول تلجأ إلى تمكين الفقراء من الإنفاق من أجل تنشيط حركة المصانع والمتاجر الوطنية لأن هذه الأموال ستُنفَق على السلع الاستهلاكية، فإن كانت مُنتَجة محلياً، فإن الإنفاق سيشكل مساهمة فعالة في تنمية الاقتصاد الوطني.

وعلى الأمد البعيد، ستكون المرأة فاعلة ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وإن توفر لديها المال فستتمكِّن من الإنفاق على نفسها وعائلتها وسيدفعها ذلك لتسعى إلى الحصول على المزيد عبر العمل والنشاط المثمر. أما المرتب الإسمي الذي تتقاضاه فلن يكون باهظاً لأنه لا يتجاوز- مئتي دولار في معظم الدول العربية، وهذا ليس مبلغاً كبيراً لكنه مهم لأن تشعر المرأة بكرامتها واستقلالها. المرأة ذات الشخصية القوية قادرة على تغيير المجتمع نحو الأفضل وتربية أجيال تتميز بالقوة والطموح والقدرة على الإنتاج والإبداع.

الحل إذن لا يكمن في إجراء واحد محدد بل في إجراءات عدة يكمل بعضها بعضاً، لكن الأهم فيها هو تمكين المرأة اقتصادياً وضمان تعليمها كي تكون قوية وقادرة على تربية المجتمع تربية صحيحة.

لم يتمكن مجتمع أن ينهض من دون أن تكون النساء في مقدمة نهضته، والدول القوية هي التي تلعب المرأة فيها دوراً أساسياً. في بريطانيا تتولى المرأة الزعامة السياسية للمرة الثانية خلال ثلاثة عقود، بينما تتولى أنجيلا ميركل قيادة ألمانيا منذ عشر سنوات. وفي تركيا والهند وباكستان وإرلندا وأسكتلندا وبورما والفيليبين وسريلانكا وبنغلادش، تولت المرأة القيادة وكانت ناجحة.

في العالم العربي لم تتولَ المرأة حتى الآن منصباً مهماً، وحتى في المراحل المتأخرة لم تكن مشاركتها فعلية بل رمزية... أول وزيرة ربما كانت في العراق في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم، نزيهة الدليمي، التي أصبحت وزيرة البلديات، وكانت مشاركتها رمزية. في سورية والمغرب وتونس ومصر والكويت تولت النساء مناصب عليا (رسمياً) لكنها لم تكن قيادية بحيث تقود إلى تغيير حقيقي، بل كانت في الغالب تمثيلية دعائية. ما يحتاجه العرب اليوم هو نهضة ثقافية فعلية تبدأ بتمكين المرأة في أن تتبوأ موقعها القيادي في المجتمع، وفي خلاف ذلك سنبقى شعوباً تعيش على هامش المدنية والحضارة.

نقلًا عن الحياة اللندنية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سنبقى شعوباً هامشية إن لم نمكّن المرأة سنبقى شعوباً هامشية إن لم نمكّن المرأة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon