توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قراءة هادئة فى تداعيات حكم المحكمة الدستورية

  مصر اليوم -

قراءة هادئة فى تداعيات حكم المحكمة الدستورية

بقلم : محمد نور فرحات

 ليس الهدف من هذا المقال التعليق على حكم الدستورية فى دعوى تنازع الأحكام بشأن معاهدة رسم الحدود مع السعودية. وهو تنازع افتعلته الحكومة عمدا بلجوئها إلى محكمة غير مختصة هى محكمة الأمور المستعجلة لوقف تنفيذ حكم مجلس الدولة بالمخالفة الصريحة للمادة ١٩٠ من الدستور. الهدف من المقال رصد ردود الأفعال على الحكم. ألح علىّ الكثيرون لتوضيح ما استغلق عليهم من فنيات الحكم وذاعت الدعايات الإعلامية المخادعة ومحاولة الإيحاء بأنه يعنى سعودية الجزيرتين، ونشرت الصحف عن ردود أفعال بعض نواب البرلمان. منها ردود أفعال وقورة (وإن كنا لا نتفق معها) مثلما صرح به كثير من النواب من أن الحكم أثبت صحة المسار الذى اتخذه البرلمان بمضيه قدما فى إقرار المعاهدة. والرد عليهم ميسور: إن البرلمان أصر على إقرار المعاهدة بعد صدور حكم واجب النفاذ من المحكمة الإدارية العليا ببطلانها ولم يكن قرار رئيس الدستورية بوقف تنفيذ الأحكام قد صدر بعد. المجلس وقت موافقته على المعاهدة لم تكن أمامه معاهدة أصلا لأن القضاء فى أعلى درجاته كان قد حكم بإعدامها.

هناك ردود أفعال منفلتة وطائشة منها ما صرح به أحد النواب من أن الحكم يمثل صفعة للمدافعين عن مصرية الجزيرتين. ومنها ما صرح به شيخ الإعلاميين من أن هذا الحكم يقطع ألسنة الخونة. فات هؤلاء أن الذى قرر مصرية الجزيرتين هو مجلس الدولة بدرجتيه. فهذه التصريحات تمثل جريمة إهانة القضاء المعاقب عليها قانونا.

ونسب أيضا إلى رئيس المجلس قوله «إن حكم المحكمة الدستورية العليا والقاضى بصحة اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والمملكة العربية السعودية، يستوجب اعتذار الأعضاء الذين شككوا فى صحتها». هذا التصريح يستنطق الحكم بما لم يقله وينسب له مضمونا غريبا عنه.

أحسب أن خبرتى فى تعليم القانون ومنطق الاستدلال والتفسير القانونى مدة تربو على الأعوام الأربعين تشفع لى فى الاجتهاد لفهم ما نشر من أسباب الحكم والتعليق على هذه التصريحات.

وأثبت التالى:

١- حكم المحكمة الدستورية صدر فى مادة تنازع أحكام قضائية بمقتضى المادة ٢٥ من قانونها. فما كان معروضا على المحكمة الدستورية هو رفع التنازع بين حكمين متعارضين صادرين من جهتين مختلفتين. لم يتطرق الحكم لمسألة دستورية المعاهدة. أثبت الحكم أن حكم محكمة الأمور المستعجلة حكم منعدم لصدوره من جهة لا اختصاص لها ( م ١٩٠ من الدستور )، وأن الحكمين الصادرين عن مجلس الدولة أخطآ عندما تعرضا لعمل من أعمال السيادة التى تنأى عن رقابة المجلس. وحتى لو سلمنا بخطأ حكم مجلس الدولة (وهو أمر محل نظر لأنه لا سيادة للسلطة التنفيذية فى مخالفة الدستور) فإن مؤدى القول بانعدام حكم محكمة الأمور المستعجلة انتفاء حالة التنازع، لأننا نكون بصدد حكم واحد صادر من مجلس الدولة أيا كان وجه الرأى فيه ولا ينازعه حكم آخر. انعدام حكم محكمة الأمور المستعجلة مقطوع به بنص دستورى صريح. واعتبار المعاهدة من أعمال السيادة أمر مختلف عليه ومحل تقدير وخلاف، والمحكمة الدستورية ليست جهة للطعن الموضوعى فى أحكام القضاء الإدارى، ولكن اختصاصها محدد على وجه الحصر فى المادة ٢٥ من قانونها برفع حالة التنازع بين حكمين. ولا تنازع بين حكم وقتى منعدم صادر من محكمة دنيا غير مختصة وحكم بات صادر من أعلى محكمة إدارية فى مصر.

٢- أن الحكم الدستورى لم يؤيد صحة المعاهدة دستوريا فهذا الأمر لم يكن مطروحا. وعلى العكس احتفظت المحكمة لنفسها بسلطة مراقبة المشروعية الدستورية للمعاهدة من حيث الشكل والمضمون مستقبلا. وهذا ما طمسه عمدا المهللون والشتامون.

٣- والمعاهدة معيبة شكلا لأن من أبرمها غير مختص وهو رئيس الوزراء فى حين أن الدستور ينص صراحة على أن إبرام المعاهدات ولاية سيادية لرئيس الجمهورية لا يفوض غيره فيها.

٤- وظنى أنه لو طلب من المحكمة الدستورية أن تفصل فى دستورية المعاهدة موضوعيا لقضت بعدم دستوريتها أيضا وذلك لمخالفتها الصريحة لنص المادة الأولى من الدستور، والفقرة الثالثة من المادة ١٥١ منه واللتان تحظران التنازل عن شىء من الإقليم. وقد أورد حكما مجلس الدولة مائة وأربعة وثلاثين دليلا ساطعا على مصرية الجزيرتين وعلى مخالفة المعاهدة للدستور. وهى أدلة لم يجادل فيها أحد ولم يناقشها البرلمان وستعرض حتما على المحكمة الدستورية إذا اتصلت بالدعوى.

٥- لقد عدلت المحكمة الدستورية فى حكمها عما سبق أن استقرت عليه من أن اعتبار مسألة ما من أعمال السيادة هو أمر من سلطة محكمة الموضوع وحدها والمحكمة الدستورية فى حالتنا ليست محكمة موضوع ولكنها محكمة فصل فى تنازع. فضلا عن أن فكرة أعمال السيادة مرنة تضيق وتتسع، وليست كل المعاهدات من أعمال السيادة. ومن أشهر أحكام المحكمة الدستورية فى هذا المعنى حكمها الصادر بجلسة ١٩ يونيو سنة ١٩٩٣ والذى قررت فيه صراحة «أن أعمال السيادة التى تنأى عن رقابة القضاء هى التى تأتى استجابة لدواعى الحفاظ على الدولة والذود عن سيادتها ورعاية مصالحها العليا، وتقتضى لذك منح السلطتين التنفيذية والتشريعية سلطة تقديرية أوسع مدى وأبعد نطاقا تحقيقا لصالح الوطن وسلامته». وأردفت المحكمة أنه «ليس صحيحا إطلاق القول بأن جميع الاتفاقيات الدولية ــ أيا كانت موضوعاتها - تصبح من الأعمال السياسية تلقائيا وتخرج من نطاق الرقابة القضائية».فلا سيادة للسلطة التنفيذية فى التنازل عن الإقليم بالمخالفة للدستور.

وهنا يواجه نظام المشروعية فى مصر بإشكالية مستعصية نتجت عن حكم الدستورية. إذ ليس للقضاء الإدارى وفقا لحكم الدستورية أن ينظر فى دعوى بطلان المعاهدة لتعلقها بأعمال السيادة، وهذا الاختصاص تستأثر به المحكمة الدستورية بعد نشر المعاهدة، ومع ذلك فالطريق الوحيد التى تصل بها الدعوى للمحكمة الدستورية أن يقدر القضاء الإدارى جدية عدم دستوريتها، وكيف له أن يقدر ذلك وهو الممنوع أصلا من نظرها؟ ونظامنا القضائى لا يعرف الدعوى الدستورية المباشرة. فلا القضاء الإدارى بقادر على مراقبة مشروعية المعاهدة لزعم تعلقها بأعمال السيادة، ولا القضاء الدستورى بمستطيع فرض رقابته عليها عمليا لأن أبوابه مغلقة، حيث لا يوجد قضاء موضوعى مخول بتقدير جدية عدم الدستورية الذى وهو شرط لاتصال المحكمة الدستورية بالدعوى.

وهكذا تطلق يد السلطة التنفيذية متحررة من كل قيد فى إبرام معاهدات مخالفة للدستور بعيدا عن رقابة القضاء. وكنا نتوقع من المحكمة الدستورية أن ترشدنا لحل هذه الإشكالية التى تهدد مجمل المشروعية الدستورية فى مصر.

والخلاصة أن حكم الدستورية الأخير لم يفصل فى موضوع دستورية المعاهدة، وإنما غل يد قضاء الموضوع عن رقابتها. ولكن مئات الحجج التى كشف عنها مجلس الدولة ستظل شاخصة تعلن فى وضوح أن المعاهدة تنطوى على تنازل محظور دستوريا عن أرض مصر وهى حجج لم يدحضها أحد.

ورغم ذلك يطلب من المدافعين عن الأرض والدستور تقديم الاعتذار عن وطنيتهم، وترتفع الأصوات تهليلا لتمجيد التفريط فى الأرض والتحايل على الدستور.

وستظل تيران وصنافير مصريتين فى وجدان شعب مصر وقضاء مصر.

 نقلًا عن المصري اليوم القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قراءة هادئة فى تداعيات حكم المحكمة الدستورية قراءة هادئة فى تداعيات حكم المحكمة الدستورية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon