بقلم - فاتنة الدجاني
لا بد أن الكوابيس تقض مضجع الرئيس دونالد ترامب. فالطوق يضيق حول رقبته يوماً بعد يوم. لا يكفي تراجع شعبيته عند الأميركيين وفق استطلاع أخير، ولا المعارك الكثيرة التي أطلقها في كل الاتجاهات بكل خفة، فاستعدى قطاعات واسعة من شعبه في قضايا أساسية مثل المهاجرين وإلغاء خطة التأمين الصحي والرسوم الجمركية، قبل استعداء دول كثيرة، خصوصاً الصين وأوروبا... بل هناك أيضاً التحقيق في التدخل الروسي بالانتخابات الرئاسية الأميركية، ثم تساقط رجالات الرئيس واحداً تلو الآخر بتهم مختلفة... منهم مَن قرر التعاون مع المحققين في مقابل حصانة، ومنهم مَن ينتظر، ومنهم مَن وُجهت إليه تهم. وليس آخِراً اقتراب التحقيقات من سجلاته المالية بعد إعلان المدير المالي لمؤسسته أمس استعداده للتعاون مع المحققين.
الغموض القانوني في شأن وضع الرئيس لم ينقشع بعد، لكن احتمالات مساءلته باتت واردة مثلما احتمالات عزله. يكفي أنه مقتنع بإمكان ذلك، وإلا لما حذّر من انهيار الأسواق في حال عزله. كيف إن يتقاطع ذلك كله مع اقتراب الانتخابات النصفية للكونغرس؟ ٦ تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل هو الامتحان الأول لفرص فوز الحزب الديموقراطي بالغالبية، وهذا غير مستبعد إذا أُخذ في الاعتبار أن الحزب يحتاج مقعدين ليسيطر على مجلس الشيوخ، فيما يتنازع مع الجمهوريين 46 مقعداً في مجلس النواب.
وإذا كانت الانتخابات النصفية بدأت بفوز الناشطة الديموقراطية اليسارية اليكساندريا كورتيس، ابنة الثامنة والعشرين سنة، عن مقاطعة كوين في نيويورك قبل أسبوعين، فهذا الفوز ربما يكون إشارة إلى صعود اليسار في الحزب الديموقراطي، مدعوماً بقوى الشباب الذين التفوا حول مرشح الرئاسة بيرني ساندرز ضد هيلاري كلينتون، باعتبار أن ما جرى لمصلحتها كان أقرب إلى خيانة قيم الحزب ومفاهيمه وإرثه.
ماذا إن حصل وفاز الديموقراطيون في الانتخابات؟ لا بد أن ذلك يؤرق ترامب، لأنه يعني مزيداً من المشكلات له وفتح تحقيقات معه ومع إدارته. كما سيُعزز تهاوي شرعية الرئيس الذي تكاتفت على إنجازه انتقادات الإعلام ومؤسسات أكاديمية وأطر نخبوية وشخصيات وازنة، وانتقادات دولية. وعلى رغم التحسن النسبي في المؤشرات الاقتصادية، فإن المحللين والاقتصاديين لا يطمئنون إلى أنها تمثل أكثر من انتعاش في قطاع الخدمات وليس في الصناعة. كما أنها في تقدير معظم الدراسات التي يتوالى نشرها في الدوريات المرجعية، مثل «فورين أفيرز»، لن تنجح في فك التشبيك العميق بين اقتصادات أميركا وكندا ودول أميركا اللاتينية والعالم الليبرالي لمصلحة «الحمائية» التي يتبناها ترامب.
لكن الطرف الأكثر قلقاً هو إسرائيل. فوز الديموقراطيين سيعني، بحده الأدنى، لجم النزعة العدوانية الأميركية تجاه الفلسطينيين وحقوقهم. ووفق دراسة صدرت قبل أسبوعين عن «مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية»، يمثل صعود اليسار الديموقراطي في الولايات المتحدة، بما يتبناه من مواقف معادية لإسرائيل ومؤيدة للحقوق الفلسطينية، من إقامة الدولة المستقلة إلى عودة اللاجئين، «خطراً استراتيجياً»، إذ سيسرع عزل ترامب، وإضعاف الدعم الأميركي لإسرائيل، خصوصاً أن يسار الحزب يلقى التأييد من تجمعات يهودية كثيرة غير راضية عن سياسة الدولة العبرية، كما تبدى في ردود الفعل على «قانون القومية» العنصري.
ومشكلة إسرائيل ليست مع يسار الحزب الديموقراطي فحسب، بل الحزب ككل (كان تقليدياً مؤيداً لإسرائيل). فالمرشحان للفوز بزعامته هما ساندرز الذي يحظى بدعم واسع في أوساط الشباب، وإليزابيث وورنر، أول امرأة تفوز عن ولاية ماساشوستس، وهي السيناتور الأكثر احتراماً بسبب خلفيتها الأكاديمية، وخبرتها في السياسة الداخلية من خلال المناصب التي تولتها في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.
ساندرز ووورنر معروفان بمواقف صارمة في دعم الحقوق الفلسطينية، ولا تربطهما علاقات باللوبي الصهيوني، لا على المستوى الشخصي ولا في العمل السياسي. لهذا توصي الدراسة إسرائيل بالبدء في البحث عن حليف آخر غير الولايات المتحدة، لأن فوز الحزب الديموقراطي سيعني إضعاف أميركا كقوة عظمى، وانقلاب أولوياتها، وأولاها إسرائيل.
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع