بقلم - فاتنة الدجاني
التصريحات الكثيرة التي يُدلي بها أعضاء الكنيست الإسرائيلي تفيض عن حاجة الإعلام إليها، كما تفيض عن حاجة السياسة الإسرائيلية، فيما هي ليست أكثر من العداء المتأصل للفلسطينيين وملاحقتهم في تفاصيل التفاصيل لوجودهم، مثلما هي تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو ووزراء حكومته.
تُطرح في جلسات الكنيست مطالب لترسيخ الاحتلال أكثر بكثير من الأمور المتعلقة بالمعيشة والمجتمع الإسرائيليين. ترك النواب شؤون الدولة وانشغلوا بالاحتلال ومناقشة إجراءاته. الاستيطان وغزة والضفة و... أما الأساسي من وظائف البرلمان، كما الحال في برلمانات العالم، فهو يكاد أن يكون لزوم ما لا يلزم. في إسرائيل، تبدو مؤسسات الدولة كأنها تُدار بأسلوب أقرب الى «التسيير الذاتي»، معتمدة على فيض من المساعدات والدعم المالي والتكنولوجي والاستيطاني من العالم المؤيد للاستيطان والمستثمر فيه.
كلما حكى نائب في الكنيست، تحوّل كلامه إلى قرارات. ليست في هذا مبالغة، فأي قراءة مقطعية لشهر أو شهريْن من قرارات الكنيست ونقاشات النواب «المُمَسرحة» تحت سقفه، ستوضح أن هذا البرلمان، والحكومة المشكّلة من أعضائه، لا شغل لهما إلا تعذيب الفلسطينيين ومواجهتهم في كل كبيرة وصغيرة، من الماء والهواء والأرض، إلى الإنسان بكل تطلعاته المشروعة من الحفاظ على هويته وتراثه، إلى آماله بتقرير المصير عبر الاستقلال ودحر الاحتلال.
والعملية لا تحتاج إلى تعقيد دستوري أو مراجعة أخلاقية. يكفي أن يتقدم أي نائب يميني متطرف- ويبدو أن ليس في الكنيست سوى اليمين ويمين اليمين من المستوطنين والمتطرفين- بفكرة ضد الوجود الفلسطيني، لتتحوَّل إلى قانون بغالبية الأصوات. هذا القانون تطبقه قوة احتلال على أرض غير أرضها، وشعبٍ غير شعبها. ولا يعدم العالم مَن ما زال يرى في ذلك «ديموقراطية».
لنأخذ ثلاثة نماذج في هذا الصدد، من قوانين أقرتها الكنيست، أو أنها في مسار التشريع تنتظر القراءة النهائية، أو مدرجة على جدول الأعمال. أول هذه النماذج هو ما جرى ويجري في الخان الأحمر من محاولة لتهجير التجمعات البدوية في الهضاب الشرقية للقدس باتجاه أريحا من أجل توسيع المستوطنات، خصوصاً مستوطنة الخان الأحمر (معاليه أدوميم)، وإيجاد تواصل بينها يجعلها مستوطنة كبرى تقطع الضفة الغربية من القدس حتى مشارف البحر الميت. وهذه العملية تستند إلى قانون أصدره الكنيست.
النموذج الثاني، هذا الأسبوع، هو قانون منع أهالي الأسرى من زيارة أبنائهم في السجون الإسرائيلية، وهو القانون الذي طرحه نائب يميني متطرف هاجم قبل أشهر حافلة لأمهات أسرى وهن في طريقهن لزيارة أبنائهن. وفي وقائع تلك الحادثة أنه شتم الأمهات لأنهن «لا يلدن إلا إرهابيين».
النموذج الثالث هو قانون قدمته ميري ريغيف وزيرة الثقافة، الموصوفة إسرائيلياً بالجهل واللاثقافة، يحرّم تقديم أي عون مالي لأي مؤسسة أو مجموعة ثقافية تؤيد، ولو بأدنى درجة، حصول الفلسطينيين على حقوقهم أو تدافع عنهم، بذريعة أن ذلك «فعل خيانة» للمصلحة القومية الإسرائيلية. وهو قانون يستهدف أساساً مؤسسات فلسطينيي الداخل، ولكن أيضاً مؤسسات وفنانين إسرائيليين من ذوي التوجهات اليسارية والديموقراطية وأنصار السلام.
يكفي أنه منذ بدء الولاية البرلمانية الحالية منتصف عام 2015، سنّ الكنيست 23 قانوناً في شكل نهائي، وأدرج على جدول أعماله أكثر من 20 مشروع قانون، آخرها حظر رفع العلم الفلسطيني في التظاهرات والاجتماعات الشعبية.
إن نظرة على القوانين التي أُقرت تصيب بالدوار، يُذكر منها تمديد العمل بمنع لمّ شمل العائلات العربية في إسرائيل، و «الإطعام القسري» للأسرى، و «التفتيش الجسدي» في منطقة ذات أخطار أمنية، ولو لم يكن الشخص مشبوهاً، ومنع منح تأشيرة لشخص أو مؤسسة تدعو إلى مقاطعة إسرائيل، إلا في حالات استثنائية، وسحب مواطنة شخص من دون مثوله أمام المحكمة في حال كان في الخارج، ومنح وزير الداخلية صلاحيات بسحب الإقامة من أهالي القدس والجولان، على خلفية تنفيذ عملية أو نشاط سياسي، وقانون الكفالات المالية على عائلات الشهداء لغرض تنفيذ شروط إجراء الجنازات و...
هل يكفي هذا للدلالة على عنصرية «الديموقراطية» الإسرائيلية؟ تصريحات النواب وقوانينهم... «مزامير المستوطنين».
نقلا عن الحياة
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع