بقلم - فاتنة الدجاني
إن لم يكن ما يحدث في الخان الأحمر تصفية عرقية ضد الفلسطينيين، فماذا يكون؟
٤٦ تجمعاً بدوياً شرعياً، بينها الخان الأحمر، مستهدفة بخطة إسرائيلية لتهجير سكانها. والحديث هو عن المنطقة الممتدة من شرق القدس حتى مشارف أريحا والبحر الميت. استقرت فيها 35 عائلة من البدو في خيام وأكواخ، بعدما انتقلت اليها من صحراء النقب عام 1953. والمنطقة حيوية واستراتيجية للفلسطينيين ولتَواصُل دولتهم المستقبلية، إن تحققت.
لا يقتصر التحرك الإسرائيلي لهدم منازل البدو في المنطقة على المقاصد الاستيطانية فحسب. صحيح أن إسرائيل تسعى الى توسيع المستوطنات في محيط القدس، وربط بعضها ببعض، لتشكيل حزام استيطاني من شأنه فصل جنوب الضفة الغربية عن شمالها، وفق خطة رئيس الوزراء السابق إسحق رابين التي سُميت "E1"، ضمن مشروع القدس الكبرى الذي يمتد على ١٢ في المئة من مساحة الضفة.
وصحيح أيضاً أن التحرك الأخير جاء في ضوء التماس من المستوطنين قُدِم الى المحكمة العليا لتنفيذ أوامر الهدم التي صدرت قبل 10 سنين، وأن المستوطنين هم الحكومة الفعلية، بدليل أن معظم وزراء بنيامين نتانياهو منهم، وحتى سفير أميركا لدى إسرائيل ديفيد فريدمان مستوطن. وصحيح كذلك أن المخططات الاستيطانية كثيرة، تتوزع بين الحكومي، وأطماع المستوطنين بأوهامهم وكوابيسهم التوراتية التي وجدت في شركات الاستثمار الأوروبية داعماً مالياً، إلى جانب الإعانات المتدفقة من المتبرعين اليهود حول العالم، ودعم الدولة الإسرائيلية ذاتها.
وصحيح أن صورة الصراع تتكرر منذ استولت إسرائيل على الضفة، وبدأت بمخططات التهويد والضم والاستيطان والمصادرات...
لكن ما حصل ولا يزال في الخان الأحمر أكثر خطورة، وينطوي على مفارقتيْن: الأولى تتعلق بما يسمى "الديموقراطية" الإسرائيلية، فنحن بصدد برلمان يقرر مصادرة أرض الغير لمصلحة مستوطن لا يملك أي حق وبأي شرع، محلياً كان أو دولياً. تخيّلوا مثلاً أن يقرر البرلمان البريطاني منع بلدية باريس من التوسع باسم الديموقراطية البريطانية؟! وإذ يفاخر العالم -منبهراً أو منافقاً- بـ "الديموقراطية" الإسرائيلية، ينسى أو يتناسى أن هذا احتلالٌ يتناقض مع الشرائع الدولية، ومع اتفاقية جنيف الرابعة.
الجديد في مسألة الخان الأحمر هو في ما اكتسبته آليات الاحتلال من قوة مضاعفة نتيجة التأييد الأميركي المطلق من الرئيس دونالد ترامب وإدارته، ما أطلق يد إسرائيل في تطبيق الخطط التي كانت مجمدة. هذا هو الوجه العملي والحقيقي لما يسمى "صفقة القرن"، وهذه هي المفارقة الثانية الشديدة الخطورة، حين يكون راعي عملية السلام متواطئاً بالكامل مع المعتدي وخططه.
ليس أدل على خطورة الموقف من توافد قناصل البعثات الأوروبية ورؤسائها إلى المنطقة للتضامن مع سكانها والتعبير عن رفضهم قرار هدمها، ففي معركة الخان الأحمر احتشد ممثلو ١٢ دولة أوروبية، إضافة إلى مدير "وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين" (أونروا) سكوت أندرسون. وجودهم في حد ذاته تحدٍ لموقف ترامب ولـ "صفقة القرن". وبيانات التنديد والتحذير التي صدرت عنهم لا يمكن التقليل من شأنها، وحققت اهتماماً إعلامياً ودولياً، لكنها تبقى مجرد ممارسة شفوية ما لم تتحوّل قراراً سياسياً من دولهم أو دول العالم.
وما كان البيان الصحافي الذي أصدره مقرر الأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة مايكل لينك قبل أسبوع، محذراً من أن وضع الفلسطينيين شديد القتامة، سوى بعضِ القراءة الدولية للسياسة الأميركية المحابية لإسرائيل وبدئها بتنفيذ مخطط علني لضم المنطقة "ج" التي تشكل ٦٢ في المئة من مساحة الضفة، ولتبقى فقط مناطق الكثافة السكانية العربية مكبّلة بمشاريع الحكم الذاتي وأوهام الحل الموعود في "صفقة القرن".
في الخان الأحمر تصفية عرقية وتهجير. وعنف الهجمة الإسرائيلية يفرض المطالبة بحماية دولية للفلسطينيين تطبيقاً للقرار الذي وافقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة. وإلى أن يتحقق ذلك، العالم كله في الخان الأحمر.
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع