توقيت القاهرة المحلي 05:30:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

النكبة كماضٍ مضارع

  مصر اليوم -

النكبة كماضٍ مضارع

بقلم : فاتنة الدجاني

 يحيي الفلسطينيون بعد غدٍ الذكرى السبعين للنكبة، ولسان حالهم يقول: لا، ليست ذكرى. إنها واقع يومي من النكبات المتواصلة منذ 70 سنة! وسيستشهدون بأحدثِها، نكبةِ افتتاح مقر السفارة الأميركية في القدس عشية هذه «الذكرى». فكأنما المقصود «رشُ الجرح بالملح».

استعادة المأساة محددة بتاريخ 15 أيار (مايو) 1948، تكاد تغيّب حقيقة أن هذا التاريخ لم يكن سوى علامة فارقة، وكبيرة بلا شك، في سلسلة النكبات التي يولّدها المشروع الصهيوني، كاستيطان إحلالي، إلى يومنا هذا. وبمقدار ما النكبة ماضٍ، هي حاضرٌ مستمر بكل أدوات العسف الاحتلالي التي تحاول عبثاً اجتثاث شعب عريق ومتجذّر في أرضه ووطنه.

كيف تتجدد النكبة وتتوالى؟ بالتأكيد حين تحظى بكل الرعاية الدولية، سواء بالدعم العسكري والمالي، أو بالسياسي والديبلوماسي في المنابر الدولية ومنظماتها. وما الصمت عن مطالبة إسرائيل بعضوية مجلس الأمن، وهو أمر غير مستبعد مستقبلاً، والتغاضي عن جرائم الاحتلال، والإعلانُ جهاراً أن «أمن إسرائيل» أولوية، سوى بعضٍ من هذه الرعاية.

ليست الرعاية فحسب، بل تستفيد إسرائيل من خبرات الاستعمار الغربي (بريطانيا وفرنسا وبلجيكا أساساً، وبدرجة أقل إسبانيا وإيطاليا) في تعامله مع الشعوب المستعمَرة، من استيطان وجرائم ومجازر. لا ننسى استنساخ المشاريع السياسية أيضاً، مثل الحكم الذاتي أو الإدارة المدنية، وحتى المفاوضات. لكنّ جنوب أفريقيا وتجربتها في حكم التمييز العنصري، تبقى الأقرب زمنياً حيث التطابق كبير في كثير من الأوجه مع تجربة الاحتلال الإسرائيلي إزاء الفلسطينيين.

وبعيداً من الأدبيات التي تتناول إسرائيل كوكيل استعماري يبقي المنطقة تحت التهديد الدائم ويحرمها من التطور الطبيعي، وهي صحيحة في استنتاجاتها، فإن الإشكالية الحقيقية هي أن الدولة العبرية عاجزة في تكوينها عن أن تكون جزءاً طبيعياً من المنطقة. يتكرّس هذا بإصرارها على «يهودية الدولة»، ووصولها إلى أقصى سقف لها كوطن جاذب لليهود من حول العالم. والدليل أنها لم تنجح سوى في جذب الفئات المسحوقة من التجمعات اليهودية في أوروبا البيضاء، ثم المتهوّدة، مثل الـ «فلاشا» من فقراء إثيوبيا في أفريقيا السوداء.

قلقُ إسرائيل على وجودها، ومن ثم استمرارية عسكرتها وعدوانها وتآمرها، يجدان أوضح دليل لهما في النقاشات التي تدور في مؤتمر هيرتسيليا السنوي. هنا، أيضاً تتبدى بين السطور طموحات المخططين الاستراتيجيين وأطماعهم في المنطقة. هذا ليس تفسيراً تآمرياً للتاريخ، ولا استعادة لـ «بروتوكولات حكماء صهيون»، بل وثائق مؤتمر بسلطة مرجعية.

وصمود الشعب الفلسطيني، رغم النكبات التي تصنعها إسرائيل، يكرّس حقيقة استحالة تحقق المشروع الصهيوني الذي يرد بالمزيد من التوسع والحروب للخروج المستحيل من حال القلق، وفق مؤرخين لـ «ما بعد الصهيونية». فالفلسطيني مستحيل أن ينسى حقه في العودة، كما يستحيل بالنسبة إلى الإسرائيلي أن يخلع عنه الإحساس بانعدام الأمان.

أما إحياء «ذكرى» النكبة، في الأدبيات العربية، كأنها مجرد ماضٍ أليم، ففيه تغييب للفعل العدواني المستمر لإسرائيل على البلاد العربية المجاورة (دول الطوق)، أو في شكل غير مباشر على تلك الأبعد. وإضافة إلى العدوان العسكري الدوري الكبير كل عقد تقريباً منذ عام 1948، هناك العصا الإسرائيلية لتعطيل عجلة أي تحرك عربي نهضوي جدي. وهي بحكم دورها في المنطقة في ارتباطه بالأطماع الغربية، قادرة على فعل ذلك. لذا، تطرح إسرائيل نفسها كقوة إقليمية وحيدة، وقاطرة لأي تقدم مقترح، سواء تحت عنوان الشرق الأوسط الجديد أو التعاون الإقليمي، من دون أن ترى ضرورة لتقديم أي تنازل في تسوية للصراع العربي - الإسرائيلي. وقراءة نتائج اتفاقات السلام مع مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، تقدم درساً تاريخياً للمنطقة.

بعد سبعين سنة، النكبة ليست ذكرى. أما التمادي الإسرائيلي في العدوان والخداع والمكابرة ورفض منح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة، فإنما يجعل النكبة ماضياً مضارعاً.

نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النكبة كماضٍ مضارع النكبة كماضٍ مضارع



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon