توقيت القاهرة المحلي 11:15:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

النكبة كماضٍ مضارع

  مصر اليوم -

النكبة كماضٍ مضارع

بقلم : فاتنة الدجاني

 يحيي الفلسطينيون بعد غدٍ الذكرى السبعين للنكبة، ولسان حالهم يقول: لا، ليست ذكرى. إنها واقع يومي من النكبات المتواصلة منذ 70 سنة! وسيستشهدون بأحدثِها، نكبةِ افتتاح مقر السفارة الأميركية في القدس عشية هذه «الذكرى». فكأنما المقصود «رشُ الجرح بالملح».

استعادة المأساة محددة بتاريخ 15 أيار (مايو) 1948، تكاد تغيّب حقيقة أن هذا التاريخ لم يكن سوى علامة فارقة، وكبيرة بلا شك، في سلسلة النكبات التي يولّدها المشروع الصهيوني، كاستيطان إحلالي، إلى يومنا هذا. وبمقدار ما النكبة ماضٍ، هي حاضرٌ مستمر بكل أدوات العسف الاحتلالي التي تحاول عبثاً اجتثاث شعب عريق ومتجذّر في أرضه ووطنه.

كيف تتجدد النكبة وتتوالى؟ بالتأكيد حين تحظى بكل الرعاية الدولية، سواء بالدعم العسكري والمالي، أو بالسياسي والديبلوماسي في المنابر الدولية ومنظماتها. وما الصمت عن مطالبة إسرائيل بعضوية مجلس الأمن، وهو أمر غير مستبعد مستقبلاً، والتغاضي عن جرائم الاحتلال، والإعلانُ جهاراً أن «أمن إسرائيل» أولوية، سوى بعضٍ من هذه الرعاية.

ليست الرعاية فحسب، بل تستفيد إسرائيل من خبرات الاستعمار الغربي (بريطانيا وفرنسا وبلجيكا أساساً، وبدرجة أقل إسبانيا وإيطاليا) في تعامله مع الشعوب المستعمَرة، من استيطان وجرائم ومجازر. لا ننسى استنساخ المشاريع السياسية أيضاً، مثل الحكم الذاتي أو الإدارة المدنية، وحتى المفاوضات. لكنّ جنوب أفريقيا وتجربتها في حكم التمييز العنصري، تبقى الأقرب زمنياً حيث التطابق كبير في كثير من الأوجه مع تجربة الاحتلال الإسرائيلي إزاء الفلسطينيين.

وبعيداً من الأدبيات التي تتناول إسرائيل كوكيل استعماري يبقي المنطقة تحت التهديد الدائم ويحرمها من التطور الطبيعي، وهي صحيحة في استنتاجاتها، فإن الإشكالية الحقيقية هي أن الدولة العبرية عاجزة في تكوينها عن أن تكون جزءاً طبيعياً من المنطقة. يتكرّس هذا بإصرارها على «يهودية الدولة»، ووصولها إلى أقصى سقف لها كوطن جاذب لليهود من حول العالم. والدليل أنها لم تنجح سوى في جذب الفئات المسحوقة من التجمعات اليهودية في أوروبا البيضاء، ثم المتهوّدة، مثل الـ «فلاشا» من فقراء إثيوبيا في أفريقيا السوداء.

قلقُ إسرائيل على وجودها، ومن ثم استمرارية عسكرتها وعدوانها وتآمرها، يجدان أوضح دليل لهما في النقاشات التي تدور في مؤتمر هيرتسيليا السنوي. هنا، أيضاً تتبدى بين السطور طموحات المخططين الاستراتيجيين وأطماعهم في المنطقة. هذا ليس تفسيراً تآمرياً للتاريخ، ولا استعادة لـ «بروتوكولات حكماء صهيون»، بل وثائق مؤتمر بسلطة مرجعية.

وصمود الشعب الفلسطيني، رغم النكبات التي تصنعها إسرائيل، يكرّس حقيقة استحالة تحقق المشروع الصهيوني الذي يرد بالمزيد من التوسع والحروب للخروج المستحيل من حال القلق، وفق مؤرخين لـ «ما بعد الصهيونية». فالفلسطيني مستحيل أن ينسى حقه في العودة، كما يستحيل بالنسبة إلى الإسرائيلي أن يخلع عنه الإحساس بانعدام الأمان.

أما إحياء «ذكرى» النكبة، في الأدبيات العربية، كأنها مجرد ماضٍ أليم، ففيه تغييب للفعل العدواني المستمر لإسرائيل على البلاد العربية المجاورة (دول الطوق)، أو في شكل غير مباشر على تلك الأبعد. وإضافة إلى العدوان العسكري الدوري الكبير كل عقد تقريباً منذ عام 1948، هناك العصا الإسرائيلية لتعطيل عجلة أي تحرك عربي نهضوي جدي. وهي بحكم دورها في المنطقة في ارتباطه بالأطماع الغربية، قادرة على فعل ذلك. لذا، تطرح إسرائيل نفسها كقوة إقليمية وحيدة، وقاطرة لأي تقدم مقترح، سواء تحت عنوان الشرق الأوسط الجديد أو التعاون الإقليمي، من دون أن ترى ضرورة لتقديم أي تنازل في تسوية للصراع العربي - الإسرائيلي. وقراءة نتائج اتفاقات السلام مع مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، تقدم درساً تاريخياً للمنطقة.

بعد سبعين سنة، النكبة ليست ذكرى. أما التمادي الإسرائيلي في العدوان والخداع والمكابرة ورفض منح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة، فإنما يجعل النكبة ماضياً مضارعاً.

نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النكبة كماضٍ مضارع النكبة كماضٍ مضارع



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 00:01 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

"لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا"
  مصر اليوم - لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»

GMT 20:44 2021 الأربعاء ,15 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تتعرض للخيانة الزوجية من صديقتها المقربة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon