توقيت القاهرة المحلي 13:28:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

النكبة كماضٍ مضارع

  مصر اليوم -

النكبة كماضٍ مضارع

بقلم : فاتنة الدجاني

 يحيي الفلسطينيون بعد غدٍ الذكرى السبعين للنكبة، ولسان حالهم يقول: لا، ليست ذكرى. إنها واقع يومي من النكبات المتواصلة منذ 70 سنة! وسيستشهدون بأحدثِها، نكبةِ افتتاح مقر السفارة الأميركية في القدس عشية هذه «الذكرى». فكأنما المقصود «رشُ الجرح بالملح».

استعادة المأساة محددة بتاريخ 15 أيار (مايو) 1948، تكاد تغيّب حقيقة أن هذا التاريخ لم يكن سوى علامة فارقة، وكبيرة بلا شك، في سلسلة النكبات التي يولّدها المشروع الصهيوني، كاستيطان إحلالي، إلى يومنا هذا. وبمقدار ما النكبة ماضٍ، هي حاضرٌ مستمر بكل أدوات العسف الاحتلالي التي تحاول عبثاً اجتثاث شعب عريق ومتجذّر في أرضه ووطنه.

كيف تتجدد النكبة وتتوالى؟ بالتأكيد حين تحظى بكل الرعاية الدولية، سواء بالدعم العسكري والمالي، أو بالسياسي والديبلوماسي في المنابر الدولية ومنظماتها. وما الصمت عن مطالبة إسرائيل بعضوية مجلس الأمن، وهو أمر غير مستبعد مستقبلاً، والتغاضي عن جرائم الاحتلال، والإعلانُ جهاراً أن «أمن إسرائيل» أولوية، سوى بعضٍ من هذه الرعاية.

ليست الرعاية فحسب، بل تستفيد إسرائيل من خبرات الاستعمار الغربي (بريطانيا وفرنسا وبلجيكا أساساً، وبدرجة أقل إسبانيا وإيطاليا) في تعامله مع الشعوب المستعمَرة، من استيطان وجرائم ومجازر. لا ننسى استنساخ المشاريع السياسية أيضاً، مثل الحكم الذاتي أو الإدارة المدنية، وحتى المفاوضات. لكنّ جنوب أفريقيا وتجربتها في حكم التمييز العنصري، تبقى الأقرب زمنياً حيث التطابق كبير في كثير من الأوجه مع تجربة الاحتلال الإسرائيلي إزاء الفلسطينيين.

وبعيداً من الأدبيات التي تتناول إسرائيل كوكيل استعماري يبقي المنطقة تحت التهديد الدائم ويحرمها من التطور الطبيعي، وهي صحيحة في استنتاجاتها، فإن الإشكالية الحقيقية هي أن الدولة العبرية عاجزة في تكوينها عن أن تكون جزءاً طبيعياً من المنطقة. يتكرّس هذا بإصرارها على «يهودية الدولة»، ووصولها إلى أقصى سقف لها كوطن جاذب لليهود من حول العالم. والدليل أنها لم تنجح سوى في جذب الفئات المسحوقة من التجمعات اليهودية في أوروبا البيضاء، ثم المتهوّدة، مثل الـ «فلاشا» من فقراء إثيوبيا في أفريقيا السوداء.

قلقُ إسرائيل على وجودها، ومن ثم استمرارية عسكرتها وعدوانها وتآمرها، يجدان أوضح دليل لهما في النقاشات التي تدور في مؤتمر هيرتسيليا السنوي. هنا، أيضاً تتبدى بين السطور طموحات المخططين الاستراتيجيين وأطماعهم في المنطقة. هذا ليس تفسيراً تآمرياً للتاريخ، ولا استعادة لـ «بروتوكولات حكماء صهيون»، بل وثائق مؤتمر بسلطة مرجعية.

وصمود الشعب الفلسطيني، رغم النكبات التي تصنعها إسرائيل، يكرّس حقيقة استحالة تحقق المشروع الصهيوني الذي يرد بالمزيد من التوسع والحروب للخروج المستحيل من حال القلق، وفق مؤرخين لـ «ما بعد الصهيونية». فالفلسطيني مستحيل أن ينسى حقه في العودة، كما يستحيل بالنسبة إلى الإسرائيلي أن يخلع عنه الإحساس بانعدام الأمان.

أما إحياء «ذكرى» النكبة، في الأدبيات العربية، كأنها مجرد ماضٍ أليم، ففيه تغييب للفعل العدواني المستمر لإسرائيل على البلاد العربية المجاورة (دول الطوق)، أو في شكل غير مباشر على تلك الأبعد. وإضافة إلى العدوان العسكري الدوري الكبير كل عقد تقريباً منذ عام 1948، هناك العصا الإسرائيلية لتعطيل عجلة أي تحرك عربي نهضوي جدي. وهي بحكم دورها في المنطقة في ارتباطه بالأطماع الغربية، قادرة على فعل ذلك. لذا، تطرح إسرائيل نفسها كقوة إقليمية وحيدة، وقاطرة لأي تقدم مقترح، سواء تحت عنوان الشرق الأوسط الجديد أو التعاون الإقليمي، من دون أن ترى ضرورة لتقديم أي تنازل في تسوية للصراع العربي - الإسرائيلي. وقراءة نتائج اتفاقات السلام مع مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، تقدم درساً تاريخياً للمنطقة.

بعد سبعين سنة، النكبة ليست ذكرى. أما التمادي الإسرائيلي في العدوان والخداع والمكابرة ورفض منح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة، فإنما يجعل النكبة ماضياً مضارعاً.

نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النكبة كماضٍ مضارع النكبة كماضٍ مضارع



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon