توقيت القاهرة المحلي 11:05:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فلسطين الحقوق ... وكوريا المصالح

  مصر اليوم -

فلسطين الحقوق  وكوريا المصالح

بقلم - فاتنة الدجاني

 «صفقة القرن» الأميركية للسلام تعود إلى الأضواء مجدداً، والسفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان استُدعي إلى واشنطن على عجل لوضع اللمسات الأخيرة عليها. لكن هذه الصفقة التي هدد الرئيس دونالد ترامب مراراً بها منذ انتخابه حتى تولَّد إحساسٌ بأنها «أم الصفقات»، ما زالت تصطدم بالرفض الفلسطيني.

ماذا استجدّ إذاً؟ لا الموقف الفلسطيني تغيّر، ولا الظرف الإسرائيلي كذلك. المتغير الوحيد هو التقارب بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، والاتفاق على نزع سلاحها النووي. لا بد أن ترامب يهنئ نفسه بهذا الإنجاز في المهمة الكورية، ولا بد أنه استمد التشجيع منه للمضي قدماً في طرح «صفقة القرن».

في التجربة الكورية، ثمة ملاحظتان على أداء ترامب مفيدتان في فهم أسلوبه ومقاصده. الأولى تأتي مما يشبه التسليم إعلامياً بأن ما حققه في هذا الملف هو التطبيق العملي لأسلوبه في عقد صفقة تجارية: يدرس خصمه جيداً، ويتحداه، ثم يضغط بأقصى العقوبات غير عابئ بأحد. يتراجع قليلاً، ويُعطي الانطباع بأن الأمور على ما يرام، ثم لا يلبث أن ينقلب على ما سبق. يضع الخصم حيث يريده لقمة جاهزة للتنازل أو الاستسلام. يميل إلى الارتجال وفق تقديره للظروف. ويُصعِّد حتى النهاية بما يوحي بأن الحرب على الأبواب، ثم يخلط الأوراق فيصبح السلام قيد أنملة.

الملاحظة الثانية هي ان ترامب يذهب بالسياسة الداخلية والدولية الى طريق لم يسلكه أيٌ من أسلافه من الرؤساء الأميركيين. يعيث فوضى بكل قضية، لكنه وسط هذه الفوضى يبحث عن إرث سياسي. يريد أن يكون الرئيس الأميركي الذي أَنجز كلَ ما فشل فيه أسلافه، خصوصاً باراك أوباما، في ملفات كوريا الشمالية والتجارة العالمية وإيران... والأهم، النزاع العربي- الإسرائيلي.

هنا مربط الفرس. التحرك الأميركي في الملف الفلسطيني يحمل توقيع ترامب، لكنه أكثر تردداً في الرهان على أسلوبه في تحقيق النجاح. وما تردُد إدارته في إعلان «الصفقة» إلا بسبب التخوّف من احتمالات الفشل. فالحالة الفلسطينية غير إيران وكوريا الشمالية حيث يُسمح بإدارة التفاوض بأسلوب الصفقة التجارية، ليصل إلى مفهومٍ قانوني بالالتزام أو التعاقد، وقد يلعب التهديد أدواراً في الوصول إلى اتفاق.

إن نظرة تاريخية موضوعية إلى طبيعة العلاقات بين واشنطن وكل من بيونغيانغ وطهران في العقود الثلاثة الماضية، تكشف رغبة دفينة إيرانية وكورية في التوصل الى تفاهم ما مع الولايات المتحدة، عاجلاً أو آجلاً. التفاوض هنا يتناول مصالح محددة لطرفين يمكن القول إنهما «تجاريان» يقايضان التبادل في ما بينهما كترجمة لتوازن المصالح. والمقصود مصالح دول راسخة لها مجتمعاتها المتماسكة، ولها مصالحها التجارية والأمنية إقليمياً ودولياً، وأي تنازل في بند من البنود يقابله ما يساويه.

أي مقاربة بين كوريا الشمالية وإيران من جهة وفلسطين من جهة أخرى، لن يُكتب لها النجاح، ولن تصل الى نتائج عملية لأن الفرق هنا جوهري. فرق بين المصالح والحقوق.

المسألة الفلسطينية في الفهم الأميركي لإدارة ترامب، ستواجه حقيقة أن لا مصالح يمكن التفاهم على موازنتها بمصالح أخرى، بل هي مسألة حقوق تاريخية وإنسانية وقومية ودينية ومجتمعية. ومحاولة النفخ في مكوّنات السلطة الفلسطينية لتصل إلى مستوى «سلطة مصالح» هي من قبيل العبث. فليست للسلطة مصالح بالمعنى المقارب لمصالح كوريا الشمالية وإيران في مقابل مصالح أميركا، وهي ليست أكثر من جهاز انتقالي سيُفضي إلى دولة مستقلة ترتبط بـ «مصالح»، سواء مع إسرائيل أو الجيران أو العالم.

المنطق هو في استعمال أميركا عناصر الضغط على إسرائيل ومصالحها أو مصالحهما المشتركة للتوصل إلى حل. المفارقة هي في قلب الحقائق لتصبح إسرائيل هي مَن يطالب بالحق، وليكون على الفلسطيني التنازل. ولأن هذا الوضع ضد المنطق والعدالة، لا يُتوقع أن تكون هناك «صفقة»، لا بالمعنى السياسي ولا التجاري.

فلا الحقوق يمكن التنازل عنها، ولا منطق المصالح ينطبق على الصفقة المطروحة، والرفضُ الفلسطيني معطى طبيعي، صلبٌ ومشروع.

نقلا عن الحياة

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فلسطين الحقوق  وكوريا المصالح فلسطين الحقوق  وكوريا المصالح



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon