توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«ديستوبيا» المثقف الفلسطيني

  مصر اليوم -

«ديستوبيا» المثقف الفلسطيني

بقلم - فاتنة الدجاني

 قيل ما قيل في التحضير لعقد المجلس الوطني الفلسطيني، وكذلك في التعليق على مخرجاته. الرئيس محمود عباس قال كلمته، وكذلك الذين يستعدون لدخول المجلس، وأولئك الذين يغادرونه، والذين يقاطعونه أو يشاركون فيه... والشعب يتابع بلامبالاة.

لم يكن في ذلك ما يبدو مفاجئاً أو غير متوقع. ما يهمنا هو موقف المثقفين الذين استبَقوا اجتماعات المجلس بـ «بيان سياسي إلى الرأي العام الفلسطيني»، حمل تواقيع عشرات منهم، ودعا إلى إنشاء منبرٍ يعبر عن «حقوق الشعب الفلسطيني وتطلعات غالبيته»، ولاحقاً انتقادات المثقفين، التي أخذت على الرئيس محمود عباس إغفاله في خطابه أمام المجلس دورَهم، وصيَغ نتاجاتهم المختلفة في المسيرة الوطنية، حاضراً وماضياً.

ما يتطلع إليه المثقفون طبيعي ومنطقي، وهو ما تتطلع إليه الغالبية، يطالبون بخطوات إجرائية لصوغ الرؤى والخيارات الوطنية من أجل إعادة الفاعلية إلى المؤسسات الفلسطينية، من خلال «خيارات كفاحية جديدة ومغايرة، تتأسس على الواقعية والعقلانية، والتمسك بقيم الحرية والحقيقة والعدالة، وتُوازن بين الواقع والطموح والإمكان والرغبات، والعاملَين الداخلي والخارجي، من دون أن يُجحف أحدهما بالآخر».

هذه المطالب والاشتراطات تبيانٌ وإفصاحٌ عن النواقص في المشهد السياسي الفلسطيني. الأجواء المواكبة لاجتماع المجلس الوطني فضحت المآخذ على أداء السلطة، ومفاعيل الانقسام، وغياب الإستراتيجية الوطنية الجامعة، وبروز المثالب المجتمعية من العشائرية إلى الجهوية، فماذا لو أضيفت إلى هذا الواقع معطيات واقعية أخرى، أولها الاحتلال وآلياته المدمرة، ثم الوضع الاجتماعي- الاقتصادي في علاقته بالجهات المانحة، وبتنسيق مع شروط الاحتلال، وكل هذا في حاضنة إقليمية أقل ما توصف به أنها متهالكة؟

ما يقلق المثقفين الفلسطينيين سيُفهم، في بعض جوانبه، بما يواجهه المثقف الغربي، أي في سياق أزمة الـ «يوتوبيا». المفكر الغربي يرى الآن أن الـ «يوتوبيا» هي القناع الذي تتخفى وراءه الـ «ديستوبيا» بما هي وصف لاغتراب المثقف في حالة سياسية لا يجد نفسه مؤثراً فيها، في ظل هيمنة مطلقة للدولة، شموليةً كانت أو فردية، فالمثقف الأوروبي يعاني عزلة عن السياسة، وانهياراً تدريجياً لمفهوم السيرورة الديموقراطية وعلاقة البرلمانات بالدولة التي ابتعدت من الرأي العام وممثليه، وانصاعت لخدمة متطلبات الليبرالية الاقتصادية المعولمة وحكومتها الخفيّة حيث لا مرجعية تشريعية.

فلسطينياً، مثقف السلطة يُدرج في تصنيف التكنوقراط، وهذا ليس مأخذاً إلّا في كونه مقيداً بقيود الدولة، مثل أي تكنوقراط في العالم. في الحالة الفلسطينية هو أيضاً مكبلٌ بالقيود التي يفرضها الاحتلال على عمل السلطة، وبمخرجات التفاوض. لا ننسى أن إنشاء السلطة استدعى دمج العديد من المثقفين في دوائرها وأجهزتها، خصوصاً السلك الديبلوماسي ولجان المفاوضات والإعلام. المثقفُ المستقل، وجد نفسه أمام إغواءات الإغداق المالي من المؤسسات الدولية الداعمة للسلطة، خصوصاً المنظمات غير الحكومية. وبسبب ذلك، انتشرت بالمئات مراكز ثقافية ملتزمة شروط الجهات الداعمة، التي يعلم الجميع أنها تُنسق مع الاحتلال الإسرائيلي. وهذه المراكز لم تنجح في تأسيس حراك ثقافي وازن، رغم التماعات إبداعية فردية هنا أو هناك. ومنذ عام تقريباً، تعاني هذه المراكز شحّ الموارد، وكثيرٌ منها علّق أعماله.

لم يعد للمثقف الطليعي ذلك الدور الفكري المباشر والمؤثر، وانتهت صوره إلى الذكرى والتعظيم، من غسان كنفاني، إلى كمال ناصر ومعين بسيسو وأبو سلمى وماجد أبو شرار وناجي العلي ومحمود درويش وآخرين... ولكن في غلبة «السياسي» على الثقافي، بدءاً من الخروج من بيروت، وإقامة السلطة الوطنية، وتحوُّل السياسة إلى اتصالات دولية وإقليمية، تُطبخ في أروقة المخابرات والأمن وتُمرر بالهواتف والوفود، أصبح رجل الأمن في كامل الصورة، وصار المثقفُ فائضاً عن الحاجة، لا يملك سوى الأمل في واقع ينفيه.

سيرة مؤلمة وتغريبة محزنة للمثقف الذي عاش في زمن الثورة أحلام «يوتوبيا» لم تتحقق، ويعيش الآن وقائع «ديستوبيا» لا ترفق به ولا بغيره.

نقلا عن الحياة اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«ديستوبيا» المثقف الفلسطيني «ديستوبيا» المثقف الفلسطيني



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon