بقلم - لينا الخطيب
لم يكن من المتوقع أن يغير الاجتماع الروسي - الإيراني - التركي الذي تم يوم الجمعة الماضي من الخطة الروسية - السورية لشن هجوم على إدلب، بل وأبرز تبعية تركيا لروسيا وإيران بشأن سوريا. مع بدء روسيا والنظام قصفهما إدلب يبدو أن كثيراً من صانعي السياسة الدوليين يتخذون الموقف بأنه لا يمكن فعل شيء حيال ذلك. لكن هذا النوع من التفكير قصير النظر.
طوال مدة الصراع السوري، كان العمل العسكري من قبل الجهات المؤيدة للنظام غالباً ما يسبق التفكير في المناورة السياسية من الغرب والأمم المتحدة. ولذا غالباً ما انتهت المكاسب العسكرية لجانب النظام إلى جعل المفاوضات السياسية عديمة الجدوى. أدخل هذا سوريا إلى حلقة مفرغة من العنف والمآزق السياسية. لكن الولايات المتحدة بعيدة كل البعد عن كونها عاجزة فيما يتعلق بمصير إدلب وسوريا ككل. فهي لا تزال لديها القدرة على الدخول في دبلوماسية مستهدفة مع تركيا وروسيا.
لا تحمل الحالة المحيطة بمعركة إدلب علامات مشجعة. بدأ صناع القرار السياسي في جميع أنحاء العالم النظر إلى الصراع في سوريا من منظور الاستقرار وعودة اللاجئين أو من منظور استخدام الأسلحة الكيماوية مقابل الأسلحة التقليدية. فقد حذرت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي وكذلك الرئيس دونالد ترمب النظام السوري من استخدام الأسلحة الكيماوية في هجوم إدلب.
هذا التحذير مناسب لأن النظام استخدم الأسلحة الكيماوية باستمرار على مدى العامين الماضيين في المراحل الأخيرة من حملاته العسكرية لاستعادة المناطق من المعارضة. وعلى الرغم من أن هايلي أدلت بتصريحات لاحقة لمحت أيضاً إلى استخدام الأسلحة التقليدية ضد المدنيين، فإن موقف الغرب بشكل عام يحمل تنبؤاً غير مباشر بأن النظام سيكون قادراً على استئناف السيطرة على بقية سوريا. هذا موقف يزيد من تهميش الاهتمام بمسألة التغيير السياسي التي تم تجاهلها إلى حد كبير في دوائر السياسة الدولية.
وبدلاً من ذلك، يركز اللاعبون الدوليون المختلفون على اهتماماتهم ومخاوفهم المباشرة التي تصب في مصلحة روسيا والنظام. بالنسبة لبعض الحكومات مثل اليابان والصين، فإن المرحلة التالية في الأزمة السورية بعد إدلب ستكون مرحلة الاستقرار في ظل بشار الأسد، وهي تحضر نفسها للاستفادة من المشاريع المتوقعة لتقديم الخدمات مثل الكهرباء والمياه من خلال توفير الخبرات والاستثمار في مشاريع البنية التحتية.
بالنسبة للحكومات الأخرى مثل الحكومات الأوروبية وتركيا، فإن مصدر القلق الرئيسي هو منع مزيد من اللاجئين من عبور حدودها. هذا يحمل قبولاً ضمناً بأي ترتيبات من شأنها أن تبقي السوريين داخل سوريا وكذلك في الأردن ولبنان. كما صرح البلدان الأخيران بأنهما لا يمكنهما استيعاب أي لاجئين سوريين آخرين. وبالتالي فإن الهجوم الشامل على إدلب سيكون ضد جميع مصالح تلك البلدان.
يدرك النظام السوري وحلفاؤه بشكل كبير المخاوف التي عبر عنها جيران سوريا والدول الأوروبية والمصالح الاقتصادية للدول الأخرى. وهذا يعطي دمشق وموسكو وكذلك طهران اليد العليا في معركة إدلب: إذا رغبوا في ذلك يمكنهم تشغيل صنبور اللاجئين للضغط على الغرب وتركيا. كما يمكنهم استخدام أي تدمير مادي لإضافته إلى المشاريع التي قام اللاعبون الأجانب الذين يرغبون في الاستثمار في البنية التحتية السورية بصفها. لذلك فإن الهجوم على إدلب يفيد النظام وروسيا، ليس فقط من حيث السيطرة السياسية، ولكن أيضاً من الناحية الاقتصادية.
لكن تبقى هناك فرص يمكن للولايات المتحدة على وجه الخصوص الاستفادة منها. في حين يبدو أن الولايات المتحدة بعيدة إلى حد كبير عن الهجوم على إدلب، فإن تصرفاتها على الأرض تظهر عدم الرغبة في تسليم سوريا إلى النظام بالجملة. وعلى عكس الدول الأوروبية، فإن الولايات المتحدة بعيدة جغرافياً عن سوريا ولا تتأثر بتدفق اللاجئين بالنسبة نفسها، وبالتالي يمكنها استخدام نهج مختلف للتعامل مع الهجوم على إدلب من أوروبا.
إن الضغط الذي تفرضه الولايات المتحدة على القوات السورية الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد لوقف تداول النفط مع النظام السوري، هو مثال على ذلك. إن هذا الإجراء سيقطع شوطاً طويلاً نحو تهدئة المخاوف التركية بشأن استفادة الأكراد من حملة إدلب لزيادة نطاق نفوذهم الجغرافي على أساس أن الحملة تهدف، حسب النظامين السوري والروسي، إلى استهداف «داعش» و«هيئة تحرير الشام»، اللذين يحاربهما الأكراد. هذا التحرك من قبل الولايات المتحدة يرسل أيضاً إشارة إلى الأسد بأن استعادته السيطرة على المناطق الكردية لن يكون أمراً محسوماً.
تحتاج الولايات المتحدة إلى الحفاظ على هذا النهج الاستباقي إذا كانت ستستعيد تركيا إلى جانبها. فتركيا أعربت عن خيبة أملها إزاء ما اعتبرته عدم دعم الولايات المتحدة في أعقاب محاولة الانقلاب ضد الرئيس إردوغان قبل عامين، التي جاءت موازية لاعتماد الولايات المتحدة على الأكراد السوريين والعراقيين في القتال ضد «داعش».
لطالما نظرت تركيا إلى الصراع السوري بشكل رئيسي من خلال منظور القضية الكردية، ولن تسعى إلى أي تقارب مع الأكراد أو تقبل نتائج أي تسوية للصراع السوري دون أن تشهد أولاً دليلاً على العودة إلى المدار الأميركي. بعبارة أخرى، على عكس ما يظنه كثير من صانعي السياسة الغربيين، يجب على الغرب ألا ينتظر لرؤية ما ستفعله تركيا بشأن الأكراد قبل صياغة سياسات للتعامل مع تركيا بشأن سوريا. إن تقديم الغرب تطمينات، خصوصاً أميركية، لتركيا ستمكنها من مد «غصن الزيتون» إلى الأكراد.
إذا تم زرع بذور التقارب الكردي - التركي فهذا سوف يقلل إلى حد كبير من درجة التسوية التركية للمصالح الروسية والإيرانية. وهذا بدوره يقلل من المكاسب المحتملة للبلدين الأخيرين في معركة إدلب.
يجب على الولايات المتحدة أن تأخذ المثال المذكور أعلاه في مقاربتها للحالة في إدلب بشكل عام: بدلاً من انتظار النظام وروسيا لتهيئة المشهد لسوريا بعد إدلب، يجب على الولايات المتحدة العمل على تقليل المكاسب المتوقعة من مهاجمة إدلب للنظام ومؤيديه.
وهذا يعني بالإضافة إلى القضية التركية - الكردية العمل مع دول مثل اليابان والصين لضمان تطبيق الشروط على أي عقود اقتصادية مع الدولة السورية ودعم الدول الأوروبية والدول المجاورة في تعاملها مع اللاجئين، والأهم من ذلك المشاركة مباشرة مع روسيا لإحياء العملية السياسية التي توسطت فيها الأمم المتحدة.
مع وجود كثير من المخاوف من التداعيات المباشرة لمعركة إدلب، هناك خطر من أن صانعي السياسة الغربيين ما زالوا ينظرون فقط إلى الآثار قصيرة المدى، بينما يتجاهلون المشهد العام. في حين أن الولايات المتحدة قد تأخرت بالفعل في إنقاذ سوريا من عواقب الصراع، إلا أنها تستطيع العمل لمنع حدوث مزيد من الضرر.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع