أكد الهجوم الذي شنته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على أهداف تابعة للنظام السوري في أبريل (نيسان) الماضي، رداً على استخدام هذا النظام الأسلحة الكيماوية في دوما، أن نهاية الصراع السوري ليست في الأفق. في أعقاب الهجوم مباشرة، أصدرت الرئاسة السورية شريط فيديو قصيراً يُظهر بشار الأسد، وهو يسير بهدوء إلى مكتبه، كما نُظمت احتجاجات ضد الهجوم في الأماكن العامة في دمشق. وأرسلت روسيا رسائل مختلطة مفادها أنه لم يحدث أي هجوم كيماوي، أو أن فصائل المعارضة هي التي قامت به، بينما استأنفت قصفها الجوي للمناطق التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة.
باختصار، بمجرد أن انتهى الهجوم، أراد نظام الأسد وحلفاؤه إظهار أنهم كانوا يعملون كالمعتاد. ومع ذلك، سلط الهجوم الضوء على عامل مهم يمكن أن يكون نقطة الدخول في صياغة خطة سلام لسوريا، هذا العامل هو القلق الروسي. لكن لا يمكن استغلال هذا القلق إلا إذا وضعت الولايات المتحدة استراتيجية سياسية شاملة لسوريا.
في الأيام التي سبقت الهجوم الذي قادته الولايات المتحدة، صعّدت روسيا من نبرة تصريحاتها حول موقفها من مثل هذا الهجوم إن كان سيمضي قدماً. وخلال اجتماع مجلس الأمن الدولي، الذي عُقد بعد وقت قصير من واقعة الأسلحة الكيماوية في دوما، قال السفير الروسي فاسيلي نيبنزيا إن الهجمات الأميركية على سوريا «يمكن أن تؤدي إلى تداعيات خطيرة»، وحذر واشنطن من أنها «ستتحمل المسؤولية» عن أي «مغامرة عسكرية غير مشروعة» في سوريا. لم تمنع المواقف الروسية الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا من إطلاق أكثر من 100 صاروخ على ثلاثة أهداف داخل سوريا تم تحديدها على أساس ارتباطها بتصنيع واستخدام الأسلحة الكيماوية.
الملاحظ في موقف روسيا هو أنه لم يتجاوز الخطابة. لم تقم روسيا بتعبئة الموارد العسكرية داخل سوريا للوقوف في وجه الهجوم المتوقع. وكانت الانعكاسات الخطيرة التي حذرت روسيا منها هي فقط تلك التي عانى منها الشعب السوري، الذي استمر في تحمل الغارات الجوية الروسية.
في الفترة ما بين إعلان الرئيس دونالد ترمب عن قرب حدوث هجوم بقيادة الولايات المتحدة، وبين اليوم الذي وقع فيه التحرك العسكري المشترك الأميركي البريطاني الفرنسي، نقلت روسيا والنظام السوري معداتهما العسكرية من القواعد التي توقعا أنها يمكن أن تكون أهدافاً محتملة. كما توقفت الغارات الجوية الروسية والنظامية على المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة لتجنب حدوث صدام مع الطائرات الأميركية المقاتلة.
أظهرت مثل هذه الإجراءات على الأرض أن روسيا والنظام السوري أخذا التهديد الأميركي على محمل الجد. وهذا يذكر بسيناريو مماثل حدث قبل خمس سنوات عندما أعلن الرئيس باراك أوباما أن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا خط أحمر للولايات المتحدة، وحذّر من الانتقام العسكري. في الوقت ذلك، تم تفريغ مكاتب الحكومة السورية وقواعدها العسكرية، واستعد النظام لهجوم لم يأت.
هذه المرة، حصل الهجوم، لكن النظام وروسيا نجيا من العاصفة، كما كانا قد فعلا قبل عام عندما أطلقت الولايات المتحدة 59 صاروخاً على أهداف عسكرية سورية في أعقاب استخدام النظام للأسلحة الكيماوية في خان شيخون. سواء كان ذلك في ظل رئاسة أوباما أو ترمب، فإن رد الولايات المتحدة على استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل النظام السوري أصبح يعني، إما عدم القيام بأي عمل، أو الانخراط بعمل رمزي. كلاهما يعطي روسيا الضوء الأخضر لمواصلة مهمتها في سوريا التي تقوم على استعادة سلطة النظام على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة من خلال نهج الأرض المحروقة.
ويهدف نهج الأرض المحروقة، الذي تمارسه روسيا ونظام بشار الأسد، إلى إلحاق ضرر بالغ بالهياكل الأساسية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، بحيث يضطر سكان هذه المناطق إلى مغادرتها دون أي احتمال للعودة. ويساعد النظام هذا الهروب ذا الاتجاه الواحد من خلال سياسات جديدة تهدف إلى تجريد الناس من الأسس القانونية للعودة. فقد أصدرت الحكومة السورية مؤخراً قراراً ينص على أنه يجب على السوريين أن يقدموا شخصياً وثائق تثبت ملكيتهم لأي ممتلكات إلى بلديتهم المحلية، وإلا فإن حق امتلاكهم لهذه الممتلكات يعتبر ملغى. هناك أيضاً تقارير عن التدمير المتعمد لسندات الملكية من قبل السلطات الحكومية كطريقة أخرى لحرمان السوريين من حقوق الملكية.
بما أنه من غير المحتمل أن يستطيع النازحون داخلياً واللاجئون الذين فروا من النظام تلبية الشروط شبه المستحيلة التي وضعتها الحكومة السورية حول حقوق الملكية، فإن الآلاف من السوريين سيجدون أنفسهم الآن غير قادرين على العودة حتى إلى إقامة خيمة على موقع منازلهم المدمرة. إن ما يقوم به النظام وروسيا في سوريا هو عملية طويلة المدى للتغيير الديموغرافي تدفع الناس الذين يعتبرونهم غير مرغوب بهم من المناطق التي يريد النظام استعادتها، ليحل محلهم آخرون موالون للنظام.
إن العودة إلى العمل كالمعتاد بالنسبة لروسيا والنظام مباشرة بعد الهجوم الذي قادته الولايات المتحدة بعد أن كانا استعدا لشيء أكبر، يُظهر أن الولايات المتحدة وحلفاءها أضاعوا فرصة للضغط على روسيا - وكما هي الحال دائماً، فإن الشعب السوري هو من يدفع الثمن. وعلى الرغم من خطابها الخطير، إلا أن روسيا لا تريد الدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة في سوريا. لكن طالما أنها تشعر أن الولايات المتحدة ليست جادة في إنهاء الصراع السوري، فإنها ستواصل نشاطها في سوريا دون ردع.
إن توتر روسيا في الفترة التي سبقت الهجوم الذي قادته الولايات المتحدة يظهر أنها لم تنتصر في الحرب. هذا التوتر يعطي فرصة للولايات المتحدة إن كانت لديها الإرادة السياسية للسعي إلى إنهاء الصراع السوري من خلال المفاوضات مع روسيا. وهو يؤكد أن الخطوة الأولى نحو السلام في سوريا لا يمكن إلا أن تتخذها الولايات المتحدة، باعتبارها القوة العظمى المتبقية في العالم والكيان الوحيد القادر على ممارسة الضغط على روسيا، ولكن يجب استغلال هذه الفرصة قبل فوات الأوان.
نقلا عن الشرق الآوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع