بقلم: بكر عويضة
هل تنجح عقوبات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ضد حكومة نظيره التركي رجب إردوغان، وفق ما أعلنت أول من أمس، في إصلاح ما أفسده قرار سيد البيت الأبيض بشأن سحب القوات الأميركية من منطقة الحدود التركية - السورية؟ إمكانية التفاؤل لن تلغي الاحتمال الأرجح، وهو الفشل. لماذا؟ لستُ صاحب خبرة في التحليل السياسي، ذلك ميدان له فرسان مشهود لهم ومعروفون. لِم التشاؤم، إذنْ؟ تخميناً فحسب، وليس يقيناً، يبدو أن الوقت تأخر، قليلاً أم كثيراً؟ ليس مهماً، المهم أن فأس قرار الانسحاب الأميركي وقع في الرأس الكردي، ومن ثم، فإن تضميد الجرح بعقاب اقتصادي يطال بضعة وزراء، لن يوقف تدفق النزيف، ثم إن اتفاق أرباب «قوات سوريا الديمقراطية» مع أهل الحكم في دمشق، فتح الأبواب على مصاريعها أمام قطاعات من جيش الرئيس السوري بشار الأسد كي تملأ ما خلّف الأميركي وراءه من أشلاء القرار الخاطئ. ولِمَ لا تفعل؟ ألم يقل أبو الطيب المتنبي، مالئ الدنيا وشاغل الناس منذ زمانه، حتى أيام العرب هذه، وربما الآتي بعدها إن «مصائب قوم عند قوم فوائد»؟ بلى.
بيد أن مأساة أكراد شمال سوريا هي فرع من أصل. المنطق يوجب القول إنه لولا الحروب التي شُنت على السوريين لما كان الحال، أصلاً، وصل إلى ما انتهى إليه على الحدود التركية - السورية. تلك الحروب ما كان لها، من مبرر، أيضاً، لو أن حكم بشار الأسد اختار العقل في التعامل، من الأساس، مع حراك المواطنين السلمي، بدل اللجوء لسفك الدماء. قوى الإرهاب، التي فُتحت لها أبواب سوريا بدعم من جهات عدة، منها بالطبع حكم الرئيس التركي إردوغان، أرادت تمزيق الجسد السوري أشلاء، وقصدت إعادة توزيع تركيبة السكان السورية جغرافياً، فكان تشتيت شمل ملايين الناس، داخل سوريا وخارجها. الواقع يقول أيضاً إن هناك بين زعامات الأكراد في الشمال السوري من تسرّع في تصوّر إمكانية انتزاع حصة من تقسيم البلد، ومن ثم خُيل لهم أن الحليف الأميركي لن يتخلى عنهم، بل لعلهم رجحوا احتمال أن ينجحوا في استنساخ حالة كردستان العراق في سوريا. هيهات. تاريخ المأساة الكردية ذاتها يقول إن ما من حليف أمِن له الأكراد، لم يتخل عنهم، عندما اقتضت المصلحة ذلك. إنما، إلى أين سوف ينتهي زحف الجيش التركي بكل هذا الزخم، لمواجهة ما يسميه إردوغان «خطر» تغلغل «قوات سوريا الديمقراطية» داخل تركيا ذاتها؟ الأرجح ألا تتضح إجابة حاسمة عن السؤال قريباً. لكن، يجب أن يظل تصرف الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إزاء الحليف الكردي، ماثلاً في الأذهان، وليس صحيحاً الاكتفاء بأن يوصف أنه موقف مُحيِّر.
يبقى التأمل، والتدبّر أيضاً، في كيف أن أقدار شعوب بعض مناطق كوكب الأرض اختارت لها حمل أسفار الآلام. جيل يوّرث المأساة لجيل يليه، ما أن يترجل سِفر أحزان، بعدما أنقض الظهور المنهكة، فتنبض القلوب بإحساس الأمل باقتراب الأمان، حتى يحل سِفر آلام آخر يطرق الأبواب بلا استئذان. الأكراد بين هؤلاء المنكوبين، مثلهم مثل أغلب الفلسطينيين في مخيمات المنافي، الصابرين فيها منذ نكبتهم الأولى، وليس المُرفهين منهم حيثما أتيحت لهم سبل الرفاه، سواء بزعم الدفاع عن القضية، وتلك أم المصائب الفلسطينية، أو بالجهد الذاتي في مجالات الأعمال، وذلك أمر مشروع. ومن الأقليات التي عانت مر الآلام الأرمن كذلك، كما تُماثل هؤلاء وأولئك أقليات تنتمي لثقافات وطوائف عدة تنتشر في جهات الدنيا الأربع. تتغوّل قوى الشر على البشر الآمنين، بلا وازع من ضمير يوقف زئير دبابات، أو أزيز طائرات تقصف المدنيين بحمم نار تنهال من كل صوب. في الأفضل بين سيئ حالات التعامل مع الأقليات، تنحصر المعاناة في معسكرات اعتقال تُسمى «مراكز إعادة تأهيل»، كما هو حاصل مع معظم أهل الإيغور المسلمين بإقليم شينجيانغ بالصين. ختاماً، الواقع يثبت أن القدر لم يزل ينبئ الناس، بساطع البلاغ، الحقيقة التي يغفل عنها كثيرون، والتي تقول خلاصتها إن البغض إذ يستوطن القلوب، فإنه يزرع جذور حقد ربما يستحيل أن تُنزع من الصدور.