توقيت القاهرة المحلي 07:22:26 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تطرف ينشر التطرف

  مصر اليوم -

تطرف ينشر التطرف

بقلم : بكر عويضة

  ربما ليس من جديد ينبئ به عنوان ما سوف أدوِّن أدناه. حسناً، ما الفائدة إذن؟ أتُضيّع وقت الناس كأنما ليس لديهم ما يشغلهم؟ كلا، أرجو ألا أفعل كما الذين، وهمْ كثر، تتباين ثقافاتهم، تتعدد مجتمعاتهم، وتتلاقى مراميهم، ينصحون غيرهم بكل ما هو جميل، ويحلّون لأنفسهم أي بشع، يقولون ما لا يفعلون، والعكس يصح عندهم، فيحلو لهم أن يفعلوا من القبائح وراء الجدران نقيض ما قالوا أمام الخَلق، والأبشع أن البعض منهم يمارس نقائض كهذه وقد اعتلى منبر جامع، أو كنيسة، أو كنيس، باسم الخالق عزّ وجل. ضمن السياق ذاته، تلفت النظر مفارقة أن هذا النوع من تجّار الفضيلة، أو الورع، أو السياسة، يعرفون حق المعرفة، أن مولى العباد أجمعين، يسمع ما يبدون، ويطّلع على ما يخفون، سرهم في الليل مكشوف لنوره، وجهرهم بالنهار مسموع في سماواته. مع ذلك، ترى بعضهم يستمرئ خداع نفسه، ويجترئ حتى في أن يخادع ربّ الناس. مثلاً، يرفع أحدهم صوته من منبر مسجد ما، فيهدر بالعباد أمامه، مُلوحاً أصبع التشهد يميناً تارة، وشمالاً مرةً، يهدد الجالسين بصمت أمامه، محظور عليهم مقاطعته، إذ سوف يُرمى المقاطع باللغو، فيما هو ليس يخشى أن يعُدّ كل صلاة فرض لم تؤدَّ جماعةً، وفي المسجد تحديداً، بلا سبب حال دون الذهاب للجامع، هي «صلاة زائفة». سبحان الله، كأنما ذاك النوع من خطباء المساجد، إذ يزكي نفسه على غيره من الناس المؤدين فروضهم في بيوتهم، قد ضمن لنفسه أن صلاته سوف ترتفع فوق الرأس منه، ثم تجد بعضهم يردد قول النبي الأمين، صلوات الله وسلامه عليه وآله أجمعين: «المسلم مَن سلِم المسلمون مِن لسانه ويده»، غير مدرك أنه آذى بلسانه مسلمين ومسلمات استمعوا له، مضطرين، إذ طفق يشكك في تقبّل الخالق لصلواتهم في بيوتهم. سألني صديق كان أحد السامعين: هل يمكن القول إن هذا الخطاب يُعد من أسباب نشر التطرف بين الناس؟

أجبت: في تقديري، وقد يجانبني الصواب، الإجابة هي: نعم. السبب أن مثل هذا التخشّب في لغة التخاطب بين أشخاص أتيحت لهم فرص النهل من ينابيع النصوص، وتحملوا عناء جهد الدرس حتى غادروا الجامعات والمعاهد، فحُمِّلوا مسؤولية التبليغ المقترن بيسير الشرح وبساطة التفسير، وبين جمهور يحرص على إعمار المساجد ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، هذا الأسلوب المتشدد لن يفيد في إبلاغ المُخاطَب ما أراد المُخاطِب من حُسن المقاصد، بل الأرجح أنه سيثمر العكس، وعلى وجه الخصوص، بين شرائح الجيل الشاب، ولن أستغرب، وربما أكون على خطأ، لو أن تخشّباً في التخاطب كهذا نفّر البعض بدل أن يشدهم أكثر. بكل تأكيد، من واجب الأئمة حض العباد على إعمار المساجد، وعدم التخلف عن أداء الفروض جماعةً في أوقاتها المعلومة، إنما هناك فرق بيِّنٌ كما بيان الكتاب المبين ذاته، بين دعوة الحكمة والموعظة الحسنة، ولغة تبذر بعض شك في صحة تعبّد المرء داخل بيته.

في سياق تأثير سوء استخدام اللغة ذاته، يمكن القول كذلك إن الفرق كبير بين رد فعل غاضب إزاء كلام سياسي غير متسق مع مرحلة ما، وجموح الغضب نحو صياح يشعل أوار التطرف بدل الجنوح نحو التهدئة. مثال ذلك ما حصل من قبل بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، رداً على ما قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الأسبوع الماضي، في شأن يهود أوروبا قبل الحرب العالمية الثانية. لم يكن الأمر يتطلب كل تلك «الهستيريا» من جانب نتنياهو، حتى يسارع إلى رمي محمود عباس بالتهمة الجاهزة: «العداء للسامية»، مع أن نتنياهو ذاته يُفترض أنه أدرى أن الرجل (أبو مازن) كاد يُقتل إلى جانب القيادي عصام السرطاوي في لشبونة (10/ 4/ 1983) لمجرد أنهما معاً من أوائل الداعين إلى التحاور مع الطرف الآخر، ولو بدءاً بفتح باب الحوار مع قوى اليسار الإسرائيلي. من جانبه، أحسن الرئيس الفلسطيني صنعاً إذ سارع إلى اتخاذ الموقف الصحيح عندما بادر فأوضح، حتى لو عُدّ ما قال من قبيل «الاعتذار»، فما في ذلك ما يضير الرجل، يكفيه أن عجل برد أوقف «هستيريا» أريد منها الإضرار بمجمل الموقف الفلسطيني من مبدأ السلام ذاته. هكذا هو تطرف الكلام، يمكن له، بأسرع مما يتوقع كثيرون، الإسهام في نشر تطرف أخطر. فهل أتيت بجديد؟ آمل ذلك.

نقلا عن الشرق الآوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تطرف ينشر التطرف تطرف ينشر التطرف



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني
  مصر اليوم - مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 00:03 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

نيقولا معوض بطل كليب تركي دويتو مع إيلين ييليز
  مصر اليوم - نيقولا معوض بطل كليب تركي دويتو مع إيلين ييليز

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 16:22 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

جماهير تطلب فتح المدرج الشرقي في مواجهة بوركينا

GMT 11:58 2024 الخميس ,06 حزيران / يونيو

أفضل فساتين الخطوبة للمحجبات

GMT 00:10 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5 درجات يضرب ألاسكا الأميركية

GMT 08:42 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير شئون «النواب» يناقش تطورات مجال حقوق الانسان في مصر

GMT 12:54 2019 الأربعاء ,04 أيلول / سبتمبر

الفنانة يارا تفاجئ جمهورها علي تطبيق "سناب شات

GMT 03:31 2019 السبت ,29 حزيران / يونيو

فيل يبتكر طريقة ذكية ليتناول طعامه من فوق شجرة

GMT 13:03 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

فولكس فاجن تكشف عن أسعار أيقونتها Passat موديل 2020

GMT 17:41 2019 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

الفنانة مريم حسن تتعاقد على بطولة مسلسل "أبو جبل"

GMT 23:17 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

دورة تحكيم في جمباز الأيروبيك بالاتحاد الدولي للجمباز

GMT 16:26 2019 الثلاثاء ,15 كانون الثاني / يناير

دراسة تؤكّد أن الهاتف المحمول أقذر بـ7 أضعاف من مقعد المرحاض

GMT 04:58 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

هنا الزاهد تستعد لأول مسلسل مع خطيبها الفنان أحمد فهمي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon