بقلم: بكر عويضة
الأدق هو أن مكة المكرمة تستضيف ختام شهر رمضان الفضيل ثلاث قمم. الأولى، وهي الأصل، القمة الإسلامية في دورتها الرابعة عشرة، وبانسجام معها - أفضل من القول «على هامشها» - تلتئم قمتان عربية وخليجية تُعدّ كل منهما طارئة، استجابة لدعوة وجهها خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز. تُرى أهوَ من قبيل الصُدف أنْ يتوافق عقد القمتين مع الأسبوع الأخير من شهر الصيام، الذي يوجب على المسلم تذكر أن واجب الصوم عن أي فعل إساءة لأخيه في الدين، حتى بالكلام، يرقى إلى مرتبة العبادة في عموم الأوقات، ثم خصوصاً خلال شهر الصيام عن الطعام والشراب؟ منطق العقل يرجح أن الإجابة هي: كلا، بالتأكيد ليس من قبيل الصدف إطلاقاً. لماذا؟ أولاً، لأن كل من شهد الشهر الفضيل فصام، أو أدى كفّارة عدم القدرة، رأى وتابع ما وقع من مشاهد عدوان سافر شهدها هذا الشهر ضد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، أقدم عليها، بلا ورع أو خجل، طرف مدعوم من الحكم في إيران.
ثانياً، لأن واقع ما يجري على الأرض، من قبل سنوات ما سُمي «الربيع العربي»، وما شهدت من تمزق وإمعان في زرع الشقاق بين العرب، ما لبث يثبت أن الفريق المتشدد، وهو الممسك والمتشبث بزمام الحل والربط بين أهل الحكم في طهران، غير مكترث لأي محاولات، وما هو مهتم بأي مفاوضات، توصل إلى ضبط تصرفات القوى التابعة لإيران في المنطقة، وبالتالي إلى مرونة تعيد العلاقات العربية – الإيرانية عموماً، وليس مع دول الخليج بشكل خاص، إلى وضع طبيعي يسوده منطق تفاهم مشترك، ويعززه إحساس أمان متبادل بين عموم الناس في الإقليم كله. وربما ليس من شطح في القول إن ذلك الجناح الإيراني المتشدد العداء للعرب كعِرق، والعروبة كمنهج، يجد من السند العقائدي، القائم على «فهم ممنهج» يعتقد به بعض خواص القوم في قُمّ، ما يكفي للإصرار على المضي قُدماً في التصعيد العدواني، حتى لو ظهر بين عقلاء إيران أكثر من صوت يعارض مثل هذا المنهج.
لعل في السببين أعلاه، إضافة إلى تذكُّر حقيقة أن للمواقيت مدلولها، وللأمكنة معانيها، ما يكفي للقول إن التئام القمتين العربية والخليجية في مكة المكرمة، أرض الوحي والتنزيل المُبين، وقبلة المسلمين حيثما هم وهن، بمشارق الأرض والمغارب، في شمال الكوكب أو الجنوب، إلى جانب القمة الإسلامية، هو حدث ذو دلالات مهمة يجب أن تؤخذ في صميم حسابات أطراف عدة، تصر على أن تعرقل أي استقرار للشعوب العربية، وأن تدفع بدول العالم العربي على كل طريق يؤدي إلى مزيد من الانزلاق نحو حروب مدمرة. رُبّ سائل: مَن هي تلك الأطراف، أهي موجودة حقاً، أم لعلها أشباح، وأن الأمر مجرد توهم تلده «بارانويا» الشعور بتخوّف عربي غير مفهوم الأسباب؟
أما التساؤل فهو مشروع، ولا اعتراض عليه، التزاماً بمبدأ النقاش الموضوعي. وأما القول إن التخوّف العربي هو وليد «بارانويا»، وغير مفهوم الأسباب فهو تسخيف إما مقصود لذاته، أو أنه استخفاف بقوى موجودة، ثم إنها حيّة تسعى على الأرض، وليست مجرد أشباح، بل هي دول ومنظمات وأحزاب وحركات، بعض منها متحالف علناً، وبينها المتعارض، ظاهراً، لكن مصالحها تلتقي على الحيلولة دون استقرار العرب بأي ثمن، والمؤلم في الأمر أن ذلك الثمن يُؤدى، أحياناً، من جيوب مسلمين وعرب، سواء عن قصد خبيث، أو نتيجة جهل، وكلٌ منهما تصرف فاسد.
من هنا أهمية توصل قمتي مكة الطارئتين، ومعهما القمة الإسلامية، إلى ميثاق قوي العزم، واضح المعالم، من حيث تأكيد صفاء النيّات العربية - العربية أولاً، ثم تجاه جيران الدول العربية من غير العرب، وخصوصاً إيران وتركيا، بغية وضع حكومات الشعوب غير العربية أمام مسؤولياتها فيما يتعلق بإصلاح حال العلاقات مع الدول العربية، وضمان غد أفضل لكل المنطقة. لقد قيل منذ زمن بعيد إن وجود الإرادة ييسر فتح الطريق. هل يتضح بعد قمم مكة المكرمة الثلاث، ما إذا كانت إرادة الإصلاح قائمة بالفعل، أم أن ذوي النيّات العدائية، غير المكترثين بأي صلح، لن يجنح أي منهم لأي سِلمٍ؟ المقبل من الأيام كفيل بالإجابة عن السؤال.