توقيت القاهرة المحلي 00:05:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حرب «جيدة» رهن الطلب

  مصر اليوم -

حرب «جيدة» رهن الطلب

بقلم - بكر عويضة

 

رغم أهوال الدمار التي شهدتها، وملايين البشر الذين قضوا على مختلف جبهاتها، خصوصاً المدنيين منهم ومنهن، جرى إعطاء الحرب العالمية الثانية وصف «The Good War». كيف ذلك، وأنّى لحرب ضروس، أتت على كل أخضر ويابس، أن توصف بالجيدة؟ حسناً، الذي أدخل هذا التوصيف إلى أذهان عموم الناس، وربما كُتب التاريخ، هو لويس ستادز تيركل، الكاتب الأميركي، والمؤرخ الراوي، شفهياً، بعض أهم أحداث كوكب الأرض. إنما يمكن الافتراض أن تيركل اقتبس الوصف من كواليس أطراف عايشت تلك الحرب، ولعلها كانت بين الأوساط الفاعلة في مجرياتها. نعم، بالتأكيد، ليس غريباً أن تعطي أوساط المنتصرين، الحرب، وصف «الجيدة»، فكل الذي كان يعنيهم من أمر الحرب، هو أنها آتت أُكُلَها تحت كل سماء حجبت صفاء زُرقتها بظلام سواد دخانها.

من منطلق ما سبق، يجوز القول إن هكذا تصرف ليس بحكر على معسكر الحلفاء المنتصر في الحرب على دول المحور. كلا، لو كُتب النصر للطرف الآخر، لفعل الشيء ذاته. تُرى، في سياق ذلك التوصيف، ألا يمكن القول إن حرب إسرائيل ضد «حماس»، التي اندلع أوارها بهجوم الحركة يوم السابع من الشهر الماضي، على مستعمرات إسرائيلية توصف بأنها «غلاف غزة»، ينطبق عليها وصف «حرب جيدة» لطرفيها المتناحرين؟ بلى، الأرجح أنها كذلك. فهي جيدة لمن هو في وضع بنيامين نتنياهو سياسياً. فالزعيم الليكودي، العائد قبل أسابيع من الحرب إلى الحكم بعد انتخابات نادى برنامجه خلال حملتها باقتلاع «حماس» من جذورها، وكذلك غيرها من الفصائل، خصوصاً «الجهاد الإسلامي»، وجد نفسه يخوض مواجهة مع معظم فئات المجتمع الإسرائيلي العلمانية، التي اتحدت في معركة ضده لإجهاض محاولته الانقلاب على القضاء، تحديداً المحكمة العليا، بعد إدانته بقضايا رشوة وفساد.

ثم، من الواضح، أنها «حرب جيدة»، كذلك، لقيادات «حماس»، وبدرجة أقل قيادات حركة «الجهاد الإسلامي»، تحديداً السادة أعضاء القيادة المقيمين خارج قطاع غزة من كلتا الحركتين. ثمة توضيح ضروري هنا. الفرق ليس في درجة التمسك بالمنهاج العقائدي. كلا، إنما هو في الممارسة. أياً كان الموقف من منهج الحركتين، المنطق يفرض تقدير موقف القيادي الموجود على أرض المعركة، رغم الاختلاف معه، فهو يخوض معاناتها، إلى جانب بسطاء الناس الذين هم وهن وقود نارها، وهو معرض لأن يُقتل معهم أي لحظة، حتى لو ادعت إسرائيل أنهم يختبئون بينهم، ويجعلون منهم «دروعاً بشرية»، كما يزعم الناطقون باسم جيش الحرب الإسرائيلي. أما الممارسون القيادة، وفق حسابات التحالف السياسية، من عواصم في مأمن تام من كل جحيم الحرب، فهي، تكراراً، «جيدة جداً» لهم من منطلق خدمتها لكل ما في أجندات تحالفاتهم، الآنية، وأيضاً المستقبلية.

غداً، الموافق الثاني من الشهر الحالي، يمر قرن وستة أعوام على صدور «إعلان» آرثر جيمس بلفور، وزير خارجية بريطانيا يومذاك، الذي صار يُعرف باسم «وعد بلفور». يومها، ورد في ذلك «الإعلان» التعهد بتسهيل إقامة «وطن قومي لليهود» في فلسطين، لكنه ربط تحقيق ذلك بشرط عدم المس بحقوق كل الطوائف. إخلال حكومة بلفور ذاته، وكل حكومات بريطانيا التي توالت بعدها، بذلك الشرط تحديداً، كان إيذاناً ببدء سلسلة مآسٍ لم تزل مستمرة حتى يومنا هذا، ولا تبدو لها نهاية في الأفق. تلك المآسي كانت، ولم تزل، نتيجة كل حرب انفجرت بشكل مفاجئ، كما بدا للبسطاء، لأنها كانت رهن طلب المحتاجين إلى «حرب جيدة»، تحقق الأغراض المتوخاة منها، حتى لو احترقت الأرض فوق وتحت بؤساء البشر في كل مناطقها المستعرة بلهيب جمرها. طوبى لكل المكتوين بجحيم الحروب، أياً كان العرق والجنس والدين، فما من حرب جيدة لهم ولهن على الإطلاق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرب «جيدة» رهن الطلب حرب «جيدة» رهن الطلب



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:56 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

الدبيبة يكشف عن مخاوفة من نقل الصراع الدولي إلى ليبيا
  مصر اليوم - الدبيبة يكشف عن مخاوفة من نقل الصراع الدولي إلى ليبيا

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني
  مصر اليوم - مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 00:03 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

نيقولا معوض بطل كليب تركي دويتو مع إيلين ييليز
  مصر اليوم - نيقولا معوض بطل كليب تركي دويتو مع إيلين ييليز

GMT 01:54 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أغنياء المدينة ومدارس الفقراء

GMT 13:12 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

أوميغا 3 يساهم في إبطاء نمو سرطان البروستاتا لدى الرجال

GMT 00:28 2024 الإثنين ,02 أيلول / سبتمبر

تارا عماد تكتشف سرًا يربطها بوالدتها

GMT 18:55 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

المصري يبدأ توزع دعوات مباراة بطل سيشل

GMT 06:45 2020 السبت ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

مشاجرة بين مروان محسن ورضا عبد العال بسبب "الأهداف"

GMT 06:45 2020 الأحد ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب "الهلال" السعودي بين مطرقة "كورونا" وسندان "الديربي"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon