توقيت القاهرة المحلي 03:28:15 آخر تحديث
  مصر اليوم -

القاتل في السودان... مقتول

  مصر اليوم -

القاتل في السودان مقتول

بقلم - بكر عويضة

منذ نهار خامس عشر أبريل (نيسان) الماضي، انطلق شبح الدمار ينسف محاولات وقف الإعصار قبل فوات الأوان. مذ ذلك اليوم، طفقت جوارح الصقور تحوم في أرجاء أرض سودان الخير، في حين أخذ نعيق بوم الشر، ونواح غربان القتل، يغطيان بسحب سواد الليل المظلم سماوات ديار قيل فيها، ذات يوم، عن جدارة واستحقاق، إنها «سلة غذاء العالم العربي»، وظل ذلك الوصف يصاحبها طوال أزمان عدة، وخلال عقود ازدهار واعدة، ومن أبناء شعبها الطيب الأعراق، جاب أوطان العرب رجال ونساء، بينهم أطباء يعالجون، وأساتذة يعلّمون، وخبراء في غير مجال، وعلماء في حقول عدة. وفي فضاء الأدب العربي حلّق روائيون وكتّاب سودانيون كبار، رحل بعضهم، إنما بقي إبداع ما تركه يصدح من بعده. بين هؤلاء، مثلاً، كلٌّ من الرائع الطيب صالح، الذي أسَرَ الناسَ بطيب الخُلق، وحُسن المعشر، قبل أن يأسر بقلم كاتب المقال، وخيال الروائي، قلوب قراء وقارئات كل ما كتب. ومثله أيضاً الصديق القريب منه، الأستاذ محمد الحسن أحمد، الناشر الصحافي، والكاتب الملتزم، مؤسس دار «الأضواء» للصحافة والنشر في الخرطوم. ومن قماشتهما كذلك الفاتح التيجاني، الإعلامي الناجح، الفائق التهذيب، والمتواضع حد إنكار الذات تماماً. ومثلهم جميعاً صلاح أحمد إبراهيم، الشاعر الدبلوماسي المرهف.

تلك كانت بضعة أسماء لمع بريقها داخل السودان وخارجه، يُضرب بها المثالُ على العطاء السوداني المشهود له في الفضاء الإبداعي، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أن إسهام الخبرات السودانية في فضاءات عدة، عربياً، وفي أفريقيا، وعلى صعيد عالمي، تميز دائماً بمشاركات فعالة، في مختلف المراحل. لماذا، إذنْ، يجب أن يعاني هذا البلد، الواسع الثراء في مجالات كثيرة، من افتقار إلى دوام فترات الاستقرار، بما يمكن شعبه من تجاوز مراحل التخلف عن مواكبة العصر، والقفز إلى صفوف المجتمعات النامية فعلاً، القادرة على تطوير النمو في مختلف المجالات إلى الأفضل، لا الانتكاس إلى الخلف؟ الأرجح أن أول جواب سوف يبرز، للرد على السؤال، هو القول إن الانقلابات العسكرية هي السبب. صحيح. إنما ليس من الصحيح الاكتفاء بوضع المسؤولية على أكتاف ضباط قرروا الخروج من ثكناتهم إلى مواقع العمل السياسي. هم، في السودان وفي غيره من أقطار ابتُليت بهكذا داء، يتحملون النصيب الأكبر مما آلت إليه أوضاع بلدانهم. لكن هذا لن يغسل أيدي قيادات أحزاب سياسية في أكثر من بلد عربي، من مسؤولية الفشل في وضع مناهج عمل سياسي تقوم على خطط علمية، تتوخى المستقبل من منظور غير مؤدلج، وغير أناني، ولا يضع المصالح الحزبية، والولاءات الإقليمية، من جهة، والدولية في الإطار الأوسع، قبل مصالح عموم الناس.

ستة وأربعون يوماً تمر اليوم منذ اندلاع حرب جنرالين كانا حليفين حتى أمس قريب، شهد السودان خلالها أفظع مما جرى خلال صراعات عدة سبقتها. القول إنها «أفظع» نسبي بالطبع؛ بمعنى أن فظاعاتها لن تلغي ما وقع من فظائع خلال الصراع المرير الذي انتهى بانفصال الجنوب عن الشمال، ولن تُنسي الناس آلام حروب دارفور وضحاياها الكثر.

مع أخذ هذا كله في الحسبان، يبقى من المرعب حقاً أن يواجه السودانيون كل هذه المآسي الآخذة في التصاعد يوماً بعد آخر. فأن يغدو أكثر من سبعة وعشرين مليوناً في أشد الحاجة إلى معونات إنسانية، خلال أسابيع معدودة، وهم داخل وطنهم، وفق تأكيد الأمم المتحدة، هو في حد ذاته جرم يتحمل وزره المصرّون على هذه الحرب. يضاف إلى ذلك كله تحول مئات آلاف البشر إلى لاجئين في دول مجاورة، ثم أن تفشل جهات دولية في توصيل المساعدات للمحتاجين، بسبب إفشال المتحاربين كل اتفاق هدنة يتم التوصل إليه، كما أكد بيان سعودي - أميركي قبل يومين، هو نوع من الإصرار على ارتكاب مزيد من الفظائع بلا وازع من ضمير.

علامَ يتقاتل هؤلاء، ثم يجرّون معهم السودانيين إلى مستنقعات اقتتال أبناء وطن واحد، ووحول أحقاد سوف تستغرق طويل وقت كي تندمل، إذا اندملت فعلاً؟ سؤال قد يبدو ساذجاً لمن يغوصون في أعماق نظريات التحليل، ويفتشون عن مبررات إقليمية، أو دولية. لكن، مع ذلك، يكفي أن يتذكر كل متورط في هذه الحرب حقيقة لن يغيّبها أي مبرر، خلاصتها أن القاتل، في السودان، وبكل حرب أهلية، مقتول في النهاية، فعلياً أو معنوياً، حتى لو نجا بعضاً من الوقت.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القاتل في السودان مقتول القاتل في السودان مقتول



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon