توقيت القاهرة المحلي 03:48:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الثمن يدفعه روس وأوكرانيون

  مصر اليوم -

الثمن يدفعه روس وأوكرانيون

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

مع نشر هذا المقال في عدد «الشرق الأوسط» الصادر اليوم، يحتمل أن يشاهد العالم دبابات موسكو تتمخطر في شوارع كييف، بعد تنفيذها قرار المضي قدماً بغزو أوكرانيا. مشهد مختلف محتمل أيضاً؛ ربما تكتفي جحافل روسيا باقتحام الحدود، وتحجم عن الوصول إلى عاصمة أوكرانيا. احتمال ثالث يظل قائماً هو الآخر، خلاصته أن حشود الجيش الروسي لم تزل تضرب طوق حصار حول جارة روسيا، غير آبهة أن تخترق عواصف صقيع الجليد عظام جنود محصنين جيداً لمواجهة مثل هذه الظروف. إنما؛ لم كل هذا التوتر أساساً؟ كما صار من المعروف، يبدو أن أوكرانيا حق عليها العقاب، وفق أعراف سيد الكرملين، فور إعلانها نية الانضمام إلى حلف «الناتو»، لكن نوع الإجراء التأديبي، وموعد التنفيذ، بقيا في انتظار ظرف مناسب، لذا يبدو واضحاً، الآن، أحد أهداف ضم جزيرة القرم (2014) وهو جس نبض ردود فعل الغرب. حسناً، هل أصاب التصدع أي جدار داخل الكرملين عشية ما تلا ذلك الضم من صداع الزعيق الغربي؟ كلا.
واقع تجارب تعامل زعماء كثر بين زعامات النظم الشمولية، كما النظام الروسي، مع معامل إنتاج السياسات في عواصم الغرب، أثبت في كثير من الحالات أن كل ما يثار من ضجيج التهديد بأقصى أنواع الرد، وما يرافق ذلك من زوابع غبار أشد العقوبات، يتمخض في معظم الأحوال عن إحدى حالتين، أو كلتيهما؛ الأولى، هي الإعلان رسمياً عن عقوبات تبدو فعلاً قاسية بحق قيادات البلد المستهدف، لكنها لن تؤثر عملياً في معظمهم، إذ سوف يجدون دائماً وسائل التفاف حولها، فيما المؤكد أن يسدد فاتورة تلك الإجراءات السواد الأعظم من مواطني ذلك البلد المنكوب مرتين، مرة لأنهم مبتلون بحكام مغامرين، غير آبهين بغير تواصل تسلطهم، وثانية بزعماء دوليين ليس يعنيهم سوى استمرار مصالح بلادهم، حتى لو استدعى الأمر فرض رؤاهم بالقوة، أو الأصح رؤى مراكز التفكير الاستراتيجي التي تضع لهم تصورات خططهم، كي يتضح لاحقاً، أن البعض منها صحيح بالفعل، بينما ينتهي أكثرها في سلال مهملات كهربائية تمزق أطرافها إرباً كي يستحيل فك شفرتها لاحقاً.
ثاني الحالتين تتمثل في عدم الانتظار طويلاً، بل المباشرة فوراً في شن عمليات عسكرية تردع من يرى صناع القرار الغربي أنه تجاوز خطاً أحمر مرسوماً له. حصل مثل هذا التصرف العسكري السريع في حالات محددة، بمختلف أنحاء الأرض، كما في حرب سيدة بريطانيا الحديدية، مارغريت ثاتشر، على الأرجنتين لاسترجاع جزر الفوكلاند (1982) وكما في إرسال الرئيس جورج بوش الأب، قوات المارينز إلى بنما لخلع رئيسها مانويل نورييغا (1989) والقبض عليه. أما الوضع في دول ذات أوضاع معقدة، كما العراق وليبيا، فقد تطلب الكثير من تمهل ساسة الغرب قبل الإقدام على تغيير النظام في كلا البلدين بالقوة. طوال ذلك الانتظار كانت أوجاع العقوبات تعض أصابع الناس المطحونين تحت أضراس آلامها في المجتمعين، فيما أغلب كبار المحظوظين داخل دوائر النظامين غير معنيين بدفع أي ثمن لقسوة تلك العقوبات. أين السبب، إذن، في وضع التردد هذا، هل يغزو بوتين أوكرانيا أم أنه لن يقدم على الغزو؟
الأرجح أن التردد يرجع إلى أن القيصر عاكف في قصر الكرملين على الاجتماع إلى كبار الجنرالات، يسمع وجهات النظر التي يبدون، فإما يبتسم، أو يتأفف، وقد يخفي وجهه المتمرس على إظهار عكس ما يحس، مذ تدرب على فنون أجهزة الاستخبارات خلال أيامه تحت سقف «كي جي بي»، شعور توجس يحك في صدره، إذ هو غير متأكد تماماً، وعلى نحو محدد، إن كانوا جميعاً، جنرالات ومستشارين ووزراء، يخفون نقيض الذي يعلنون، تخوفاً من انقضاض غضب بوتين المفاجئ، فيكتفون بإسماع متخذ كل القرارات، في آخر المطاف، ما يشعرون أنه سوف يرضيه، بمن فيهم، أو قل إنه أولهم، سيرغي لافروف، وزير خارجيته، الموكل إليه واجب أن يرفرف دائماً بجناحي حمامة السلام، حتى لو صم آذان العالم قرع طبول الحرب. عموماً، غزا أو لم يغزُ، وحتى في حال إيقاع أقسى العقوبات على الرئيس بوتين نفسه، وكبار المستفيدين من حكمه، في أرجاء الكوكب كافة، فإن دفع الثمن الفادح سيقع على كاهل بسطاء الروس والأوكرانيين، تماماً كما حصل للعراقيين من قبل، والليبيين بعدهم، ولا أحد يعلم أين يختبئ المقبل من أزمات عالم متعب حقاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثمن يدفعه روس وأوكرانيون الثمن يدفعه روس وأوكرانيون



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت

GMT 14:38 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

جاكيتات "جلد النمر" الرائعة موضة العام المقبل

GMT 10:24 2015 الإثنين ,16 آذار/ مارس

"كلام من القلب" يقدم طرق علاج كسور الفخذ

GMT 04:18 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

منال جعفر بإطلالة "رجالي" في آخر ظهور لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon