توقيت القاهرة المحلي 04:45:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليبيا: مَنْ ضلّل مَنْ؟

  مصر اليوم -

ليبيا مَنْ ضلّل مَنْ

بقلم: بكر عويضة

ربما من الخطأ مِهَنياً، أن تواصل السفر على طريق معاكس للمستقبل، متصادم مع الحاضر، ماضياً في اتجاه ماضٍ تَولّى، تفتتح دفاتر معايشتك خواتيم ليبيا الملك محمد إدريس السنوسي، وبدايات جمهورية، ثم جماهيرية معمر القذافي، فيما تتجاهل ما يجري من أحداث غير عادية تمر بها بريطانيا، حيث تقيم، إنساناً تَحرّر من كوابيس رعب أجهزة تلحق بك كأنها خيالك، وتعمل صحافياً، منذ ما يفوق أربعين عاماً، بلا خوف ممن يراقب وراء الكواليس كل ما يُكتب قبل النشر، وبعده أيضاً. بيد أن ما بلغني من ردود فعل، يشجعني أن أواصل ما بدأت في هذه المساحة قبل أسبوعين. في هذا السياق، ختمت مقال الأربعاء الماضي بما يلي: «ابحث عن البدايات، سوف ترى أساسات صُنع المستبد، بدءاً من دور الإعلام في تلميع الاستبداد. هنا أيضاً، أعترف، كان لي إسهام، يوجب الاعتذار». تطول قائمة أسبابي الذاتية التي توجب اعتذاري، ثم إن شرحها بالتفصيل يجب أن ينتظر، كي أتجنب الحديث عن الذات قدر المُستطاع.
تسلّم معمر القذافي حكم ليبيا وفي صدره غضب مكظوم من كل وسيلة إعلام كانت قائمة: إذاعة، وتلفزيون، وصحافة. اتهم العقيد كل إعلام ما قبل الانقلاب بإفساد الرأي العام وتضليل الشعب الليبي. الواقع أنني كنت شاهداً على وجود صحافة ليبية تتمتع بهامش واسع من الحرية لم يُتح لها إطلاقاً بعد «فاتح» القذافي. كانت هناك صحف تعبّر عن مختلف التيارات، مثل صحيفة «البلاغ» التي كانت تعكس موقف القوميين، لكنها أُوقفت، و«الميدان» التي كانت تعبّر عن توجهات اليساريين، وكانت هناك «الحرية»، و«الرائد»، و«الرقيب»، و«الزمان»، و«اليوم»، و«الريبورتاج»، و«العمل»، و«الشعلة»، و«الطليعة»، وكانت هناك «الحقيقة»، وهي حينذاك الصحيفة الأهم والأوسع انتشاراً بين كل صحف القطاع الخاص التي سبق ذكرها.
قبل أيام من يوم الانقلاب، كان كاريكاتير الفنان الليبي العملاق محمد الزواوي على الصفحة الأخيرة من «الحقيقة» لمواطن ليبي يركل غاضباً جهاز تلفزيون بقدمه، فيتناثر قطعاً في الغرفة، فيما نص الخبر الرئيسي على الصفحة الأولى بعنوان يعكس تكريم الملك إدريس السنوسي للإعلام الليبي في شخص وزيره. تلك الليلة، كنتُ المحرر المسؤول إلى جانب الأستاذ القدير قاسم حماد. اتصلنا بالأستاذ الكبير رشاد الهوني، مدير التحرير، نسأله هل نغيّر رسم محمد الزواوي، فأجاب بحزم: كلا، اتركوا الرسم كما هو. الوزير يومذاك هو أحمد الصالحين الهوني، الذي سوف يأتي لاحقاً إلى لندن ليؤسس مع رشاد الهوني صحيفة «العرب»، التي صدر عددها الأول يوم 1-6-1977. لولا هامش الحرية الواسع المتاح أمام صحافة ليبيا قبل فاتح القذافي، لما اتسع المجال كي يتجاور رسم الزواوي الغاضب على التلفزيون الليبي، مع مانشيت تكريم الملك لوزير إعلامه، في العدد ذاته من «الحقيقة» الصادر ذلك النهار.
مع تسلّم العقيد القذافي حكم ليبيا، بدا بوضوح أن زعيم انقلاب «الفاتح العظيم» لديه ثأر ضد مجمل صحافة ليبيا طوال العهد الملكي، فلم يضيّع كثير وقت في شن هجوم متواصل عليها، وفي هذا ثمة قاسم مشترك يجمع بينه وبين دونالد ترمب، مع الفارق في القياس، بالطبع، بمعنى أن الرئيس الأميركي وضع على رأس أجندته شن حرب ضد أهم صحف أميركا، وما رأى أنه «خبر زائف». من جهته، راح القذافي يطالب الليبيين بالتوقف عن شراء الصحف الليبية، فتجاهلوه، ثم أخذ يضيّق عليها الخُناق، فأوقف عنها نشر الإعلانات الرسمية، مثل المناقصات أو العطاءات، وحتى أحكام القضاء التي يجب أن يتم نشرها رسمياً. ردت «الحقيقة» بمضاعفة سعر النسخة، فتجاوب قراؤها وواصلوا شراءها. أخيراً، لم يبقَ أمام العقيد القذافي سوى وضع الصحافيين وراء قضبان ما سُمي «محكمة الشعب». كان بشير هوادي يرأس المحكمة، وعمر المحيشي -سينقلب على القذافي لاحقاً- يؤدي دور المدعي العام. أول اتهام كان يوجه إلى كل صحافي هو التالي: أنت متهم بإفساد الرأي العام وتضليل الشعب الليبي. سيظل ماثلاً في الذاكرة، وعلى صفحات وثائق تلك المحاكمات كيف أجاب عبد الرحمن الشاطر، رئيس تحرير صحيفة «اليوم» يومذاك، قال ما مضمونه إن الرجل لم يضلل أحداً، بل «الشعب الليبي هو الذي ضللني» لأن غالبيته كانت، بالفعل، تحب الملك إدريس السنوسي وتحترم زهد الرجل في الحكم. حقاً، ليس في ليبيا وحدها، بل في أقاصي العالم العربي وأطرافه، مطلوب البحث عن جواب لسؤال مهم: مَن ضلّل مَن؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا مَنْ ضلّل مَنْ ليبيا مَنْ ضلّل مَنْ



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon