بقلم - بكر عويضة
اليوم هو أول الأيام الأربعة التي تتوج انتهاء مناسك فريضة الحج إلى البيت العتيق، بيت الله الحرام، بعدما أتى لتأديتها مسلمون ومسلمات من كل فج عميق. أحد مرامي يوم عيد الأضحى، يتمثل في الاحتفاء والابتهاج بذكرى التضحية والفداء، إذ هبّ خليلُ الرحمن، أبو الأنبياء، إبراهيم (عليه الصلاة والسلام)، مستعداً لتنفيذ رؤيا الأمر الإلهي، بتقديم ولده إسماعيل قرباناً للخالق. قُبيل لحظة إعمال السكين، أفتُدي الولدُ المطيعُ أباً استجاب لأمر ربّ العالمين، فأطاع بذلك الله عز وجل. ألم يُقل، قياساً على هذا الموقف المتجاوز في هيبته كل ما عداه من مواقف تضحية وافتداء، إن طاعة الأبوين في مرضاة الله، هي طاعة لله ذاته؟ بلى.
طاعة الابن لأبيه، وطاعتهما معاً لخالق الناس أجمعين، إنفاذاً لأمره الذي أراده ابتلاءً لكلٍ منهما، أسكنت قلبيهما الأمن والطمأنينة، فكان الافتداء آية من آيات سميع عليم، تبشّر بتقبل الطاعة، وبالتالي مكافآتها فوراً. من منطلق القياس، ربما يمكن القول إن احتفالات المسلمين في كل أنحاء العالم بعيد الأضحى تستحق أن تتم في أجواء أمنٍ، رغم كل آلام ومآسي الحروب التي تعصف بهم، تلك التي تدور في بلدانهم، أو من حولهم. مدافع تطلق قذائفها بلا تفريق بين مواقع عسكرية، وبشر مدنيين. طائرات تقصف حممها فتزهق أرواح أجيال من مختلف الشرائح. قتلى، ومشردون، جرحى ومُهَجَرون، ليس من ذنب جنوه سوى أنهم في أوطانهم مطاردون. رغم ذلك، أيجوز أن يُقال لهم ولهن: عيدكم آمن؟
نعم. تفسير ذلك يعيد إلى معنى عيد الأضحى ذاته. ضمن منطق القياس المشار إليه قبل أسطر، ربما يصح القول إن آلام معاناة المسلمين والمسلمات بين ضحايا جبهات الحروب المشتعلة؛ من أوكرانيا (مليون ونصف المليون مسلم) إلى السودان، ثم من فلسطين إلى حيثما شئتم في جهات الأرض الأربع، أو القارات الخمس، تلك آلام تشكل بعض ابتلاء لن يذهب سُدى، رغم فداحة أثمان تُدفع من قِبل أناس أبرياء قُيض لهن، الفتيات منهن والزوجات والأمهات، ولهم، الأولاد منهم والآباء والأجداد، أن يوجدوا في مواقع تشهد دفع الله الناسَ بعضهم ببعض. لذا، لعل من الصحيح أيضاً ترجيح كفة التمني أن يسود السلام في ديارهم، وأن يحل الأمان بينهم، وإذا تعذر أن يتم ذلك في هذا العيد، ففي المقبل من أعياد أعوام مقبلة.
بالتأكيد، هناك كثير من ديار العالم الإسلامي تنعم بالأمن والسلام، وقد وقاها الله شرور الحروب ومآسي الخراب، بل وحباها بأسباب ازدهار اقتصادي، ورفاه اجتماعي، تعم خيراتهما على مختلف فئات المجتمع. في مقدم تلك الديار، تقف المملكة العربية السعودية، مهد رسالة الإسلام، وبلد الحرمين الشريفين، التي يبذل قادتها، بدءاً بالملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، ثم على مختلف المستويات، كل جهد يستطيعون لأجل تأمين أداء ضيوف الرحمن مناسكهم بيسر وعلى أفضل وجه ممكن. وإضافة إلى القيام بواجبات مسؤولياتها الدينية خير قيام، تتجلى السعودية باعتبارها إحدى أهم دول العالم التي تشهد معدلات نمو اقتصادي تلفت الأنظار، وتغييرات على الصعيد الاجتماعي تحظى بإعجاب وتقدير المتابعين في كبريات دول العالم الصناعي المتقدم.
ما حققته المملكة العربية السعودية طوال مسيرتها، وما أنجزته خلال السنوات العشر الماضية، تعزيز لدورها العربي البارز، ثم لحضورها العالمي، وفي الحالتين يستفيد العالم الإسلامي ككل، باعتبار أن كل تقدم يُنجَز على أرض الحرمين سوف ينعكس إيجابياً على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. لهؤلاء أجمعين؛ وجب القول: دامت أعيادكم أعيادَ أمن وسلام.