توقيت القاهرة المحلي 07:22:26 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بريطانيا حائرة وضائعة

  مصر اليوم -

بريطانيا حائرة وضائعة

بقلم: بكر عويضة

يمكن القول إن بريطانيا تمر بنوع من الحيرة والضياع معاً. إنما في ضوء تقرير «صنداي تايمز» الأحد الماضي، يمكن أيضاً إضافة حالة ذعر مرشحة لأن تصل إلى درجة الهلع، ما لم يجر اتخاذ إجراء من شأنه إعادة قليل اطمئنان إلى النفوس. معروف أن ما أوصل دولة في مثل وزن بريطانيا، سياسياً ثم اقتصادياً، إلى هذا التخبط الكارثي، هو الانجرار إلى مستنقع يحمل اسم «بريكست»، ثم الغرق فيما تبع التورط، أساساً، باستفتاء 2016 بشأن البقاء أو الخروج من عضوية الاتحاد الأوروبي. لو أن رئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون، لم يخضع لأهواء عدد قليل بين أعضاء حزب المحافظين في مجلس العموم، هم كذلك في الأصل، يعادون استمرار عضوية بلدهم، على الرغم من أهميتها، في الاتحاد الأوروبي، لما كان ألزم نفسه، أصلاً، بوضع بند ذلك الاستفتاء، ضمن برنامج الحزب في انتخابات 2015 البرلمانية، وهو ما بدا، آنذاك، نوعاً من التخوف غير المفهوم، في مواجهة ضوضاء نايغل فاراج، السياسي خفيف الوزن، وحزبه «يوكيب»، الضعيف شعبياً، بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي.
لكن ذلك كله بدا، أيضاً، كما لو أنه قدرٌ كان مقدراً لهذا البلد أن يمر به. المُخجل، بريطانياً، أن مجتمعاً كهذا تعود جذوره الديمقراطية إلى ما يزيد على ثمانية قرون، فشل ساسته طوال السنوات الثلاث الماضية في التوصل إلى اتفاق حول كيفية تطبيق ما انتهى إليه استفتاء «بريكست» -52% مع الخروج، مقابل 48% مع البقاء- الأمر الذي أوصل البريطانيين إلى المأزق الحالي. مرة ثانية، وفق تقدير كثيرين، اتفق معهم، يتحمل ديفيد كاميرون النصيب الأهم من المسؤولية. حقاً، كان بوسع كاميرون الإبحار بسفينة بلده بين عواصف التفاوض مع بروكسل حول إنهاء عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، بأقل قدر من الخسائر، وربما بلا أي ضرر يلحق بالدور البريطاني أوروبياً، ومن ثم عالمياً. صحيح أن ديفيد كاميرون خاض معركة الاستفتاء، كزعيم للمحافظين ورئيس للحكومة، على أساس حض البريطانيين على التصويت لصالح البقاء، إنما انتصار الفريق المعارض بنسبة لم تتجاوز 4%، لم يكن سبباً يوجب الاستقالة، بل على النقيض من ذلك، كان الواجب الوطني يفرض على كاميرون تقبّل نتائج الاستفتاء بشجاعة، وقد فعل، إنما بلا اضطرار إلى المغادرة، بغرض استمرار تحمّل مسؤولية التنفيذ، من منطلق أنه رئيس حكومة تقود البريطانيين جميعاً، ومسؤوليتها الأساس حماية مصالحهم أجمعين، بصرف النظر عن اختلاف انتماءاتهم السياسية. مع احترام رأي مَن حاجج بأن المنطق الديمقراطي هو الذي حتّم خروج كاميرون، يمكن القول، ضمن سياق ضمان انسجام الممارسة الديمقراطية مع صون مصالح البلد، إن بقاء كاميرون على رأس الحكم، من منطلق أنه رقم أساس في فريق البقاء داخل الاتحاد الأوروبي، كان من شأنه إرغام متطرفي الفريق ذاته على الالتزام بنتائج الاستفتاء، وبالتالي عدم تعمّد وضع عصيّ العرقلة على طريق مسيرة التطبيق.
تيريزا ماي لم تكن مؤهلة لدور تاريخي في مثل هذا الحجم. هي أيضاً من فريق إبقاء بلدها في الاتحاد الأوروبي، لكنها، رغم سنوات خبرتها في مجلس العموم، وفي مناصب وزارية عدة حملت حقائبها، وجدت نفسها، فجأة وبلا مقدمات، تتسلم منصب رئاسة الحكومة في وقت صعب، ثم إن أي رئيس وزراء في هذا البلد يجب أن يظل متنبهاً، قبل أي شيء آخر، لما سوف يواجه من متاعب تتمثل في اعتراضات، أو مشاكسات، وربما مؤامرات داخل حزبه، سواء كان الحكم للمحافظين، أو بأيدي خصومهم العمال. تيريزا ماي ليست من نسيج يمكنه أن يغزل قماشة حكومة تمسك بها سيدة «داوننغ ستريت» بحزم، لكنها تدير شؤونها بحكمة، وتحسم أمرها، إذا تطلب الأمر، بقبضة من حديد. باختصار، لم تكن مارغريت ثاتشر. من هنا بدأ المأزق، ولهذا وصل إلى وصول بوريس جونسون لرئاسة الحكومة.
تقرير «صنداي تايمز» الأحد الماضي، المُحذّر من عواقب بالغة السوء سوف تطال توفر سلع وأدوية وغذاء في الأسواق البريطانية كافة في حال أصر بوريس جونسون على تنفيذ إنهاء عضوية الاتحاد الأوروبي، حتى بلا اتفاق مع بروكسل، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، جرى تسريبه إلى الصحيفة من ملفات الحكومة، ولذا أثار هلع وذعر الناس. واضح أن بريطانيا تعيش بالفعل حالة حيرة وضياع خطيرة. شكراً، ديفيد كاميرون، إنما بلا أي تقدير لما تسبب به التزام ديمقراطي، من جانبك، لم يكن ضرورياً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بريطانيا حائرة وضائعة بريطانيا حائرة وضائعة



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان
  مصر اليوم - مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 00:03 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

نيقولا معوض بطل كليب تركي دويتو مع إيلين ييليز
  مصر اليوم - نيقولا معوض بطل كليب تركي دويتو مع إيلين ييليز

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 16:22 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

جماهير تطلب فتح المدرج الشرقي في مواجهة بوركينا

GMT 11:58 2024 الخميس ,06 حزيران / يونيو

أفضل فساتين الخطوبة للمحجبات

GMT 00:10 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5 درجات يضرب ألاسكا الأميركية

GMT 08:42 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير شئون «النواب» يناقش تطورات مجال حقوق الانسان في مصر

GMT 12:54 2019 الأربعاء ,04 أيلول / سبتمبر

الفنانة يارا تفاجئ جمهورها علي تطبيق "سناب شات

GMT 03:31 2019 السبت ,29 حزيران / يونيو

فيل يبتكر طريقة ذكية ليتناول طعامه من فوق شجرة

GMT 13:03 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

فولكس فاجن تكشف عن أسعار أيقونتها Passat موديل 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon