توقيت القاهرة المحلي 06:50:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قضية تستعصي على التصفية

  مصر اليوم -

قضية تستعصي على التصفية

بقلم:بكر عويضة

يُفترض أن أنهار دموع الفلسطينيين بمشارق الأرض والمغارب، تتدفق منذ نهار أمس تبكي تصفية قضيتهم من خلال بنود ما سُمي «صفقة القرن»، التي تُنسب للرئيس الأميركي دونالد ترمب. لكن أمراً كهذا لم ولن يحصل إطلاقاً، لسبب بسيط جداً، خلاصته أن قضية الفلسطينيين، سوف تبقى عصيّة على التصفية، بالمعنى الذي يُجتر منذ كانت القضية. بلا أي تقليل من ذكاء أفاضل القراء، مقدار ذرة أو أقل، ربما يفيد التذكير بمعنى كلمة «تصفية».
وفق موقع «المعاني»، فإن المعجم الوسيط يعطي كلمة «تصفية» سبعة وعشرين معنى، في حين يكتفي معجم المعاني الجامع بواحد وعشرين. يسبح معظم الشروح في فَلك تجاري. مثلاً، إذا أراد تاجر التخلص من بضائع طال بوارها في المستودعات، فإنه يعمد إلى خفض الأسعار بغرض التسريع في عقد صفقات البيع وبالتالي تصريفها. وإذا ضاق أحدهم بما علق من مشكلات، فسوف يجِدّ في مسعى إيجاد الحلول لها. كذلك الحال عندما تفشل الشركات في تحقيق مكاسب، وتتوالى الخسائر، فيتخذ ذوو الحل والربط القرار الصعب بتصفية الشركة، أي حلها وإغلاق حساباتها، بلا قيد أو شرط.
في السياق نفسه، الشعوب أيضاً تسعى للخلاص من وجود أجنبي فُرض على أرض الوطن في شكل قواعد عسكرية، مثلاً، فإذا أُزيلت تماماً قيل إن القاعدة صُفيت نهائياً، مع أن ذلك القول ليس دقيقاً في الأحوال كافة، إذ كثيراً ما يتم الإبقاء على منشآت أو مبانٍ أقامها الأجنبي، بقصد الإفادة منها، وهذا هو الأسلم. عندما يتعلق المعنى بملف سياسي، فإن تصفية الخلاف بين أطراف عدة عن طريق القانون تعني تسويته بالتوصل إلى حل له.
هل أن ما سبق من معاني «تصفية» ينطبق على التعامل مع إيجاد حل لقضية فلسطين ونكبة شعبها؟ يصعب، وربما يستحيل، أن تتفق كل الأطراف، سواء العربية أو الدولية، وحتى الفلسطينية قبل غيرها، على الإجابة ذاتها. خذ، مثلاً، المعنى الأخير القائل بالتوافق على الحل عن طريق القانون. عندما اتخذ الطرف المُعتمد ممثلاً شرعياً، بل «الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني»، قرار الذهاب إلى مؤتمر مدريد (30/10/1991)، علا زعيق الفصائل المعارضة، بأطيافها المتعددة - ولم تكن «حماس» وُلدت بعد، ولا «الجهاد الإسلامي» ظهرت على الخلق - أن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية استسلمت، وأنها سوف تنساق مع «مؤامرة تصفية القضية». أما بعد توقيع اتفاق أوسلو في حديقة البيت الأبيض (1993) فقد طفق صراخ التحذير من قرب تطبيق «التصفية النهائية للقضية» يملأ آفاق الكون كله، تقريباً، فما الذي حصل؟ لا شيء، لا شيء إطلاقاً، قضية الشعب الفلسطيني لم تُنزع من القلوب، بل تقيم بين ضلوع أجيال النكبة في مخيمات المنافي، جيل «مهجوس» بعشق فلسطين لم يزل يلد خلفاً له أشد تعلقاً بها.
عصي أن أتذكر، شخصياً، وربما غيري من أحياء جيلي، كم مرة طلع علينا الزاعقون في بوق النفير العام، أن هلموا إلى واجب صد خطر «تصفية القضية». سجلات ما قبل هزيمة 1967، وما بعدها، توثق أن ما من زعيم حاول اقتراح حل سلمي، إلا ورُمي بحجارة من سجيل الوصم بجريمة «تصفية» قضية فلسطين. يستوي في ذلك زعماء خصوم، كما حصل مع «المجاهد الأكبر» الحبيب بورقيبة، حين دعا، سنة 1965، إلى تحدي إسرائيل بمطالبتها بأن تطبق قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة يوم 29/11/1947، وأيضاً مع جمال عبد الناصر، وهو المُبايَع يومذاك «زعيم العروبة» بلا منازع، عندما وافق سنة 1969 على مشروع مبادرة ويليام روجرز، كلاهما لُعن في الشوارع بلغة شوارع ليست تليق بقيادات سياسية، وضُرِب بالجُرم ذاته: «تصفية القضية»، أما الذي حصل من لطم وعويل في جنازات تشييع فلسطين بسبب «تصفية القضية» فور توقيع الرئيس أنور السادات، ومناحيم بيغن، رئيس حكومة تل أبيب، اتفاق كامب ديفيد (1978)، فحاضر في الذاكرة أبداً، رغم أن ما ووفق عليه، فلسطينياً، في أوسلو أقل مما رُفض عندما عُرض على الزعامة الفلسطينية لو شاركت في مفاوضات فندق «مينا هاوس» بالقاهرة!
ليس مطلوباً من القيادات الفلسطينية أن توافق على ما يُسمى «صفقة القرن»، كلا، المطلوب أن تتوقف عن اجترار كلمة «تصفية» القضية، بسبب وبلا سبب، فيما هي تواصل نهش لحوم بعضها بعضاً، فتصفي حساباتها الفصائلية على حساب قضية شعبها، العصية على كل تصفية، قبل إدارة الرئيس ترمب وبعدها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قضية تستعصي على التصفية قضية تستعصي على التصفية



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 06:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يعتلي صدارة هدافي دوري الأمم الأوروبية
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يعتلي صدارة هدافي دوري الأمم الأوروبية

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon