بقلم:بكر عويضة
كما جاء في المثل المصري «هات من الآخر»، الذي شاع بين عموم الناس في العالم العربي، يمكن القول إن أول مؤشر يمكنه إثبات جدية ما تم التوصل إليه بين حركة «حماس» وحركة «فتح» في إسطنبول قبل أيام، بشأن إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في أسرع وقت، هو أن تبادر قيادة «فتح» إلى ترشيح القيادي الأسير مروان البرغوثي، للرئاسة، وأن تتفاعل قيادة حركة «حماس»، من جانبها، فتؤيد الترشيح الفتحاوي، وتوجه أعضاءها، وكذلك المؤيدين لها، كي يعطوا أصواتهم للبرغوثي، وبذلك يضمن له الفوز في انتخابات رئيسية ليست تشوبها أي شائبة تشكيك، ويصبح للفلسطينيين رئيسهم الأسير في سجون إسرائيل، فيحمل بجدارة اسم «نيلسون مانديلا الفلسطيني». هل من الجائز الافتراض أن اقتراحا كهذا سوف يلقى القبول والرضى بعقل منفتح من الأطراف كافة، ولن يتصدى له أي معارض؟ ممكن. وهل يحتمل أن يوصف مثل هذا القول بأنه محض خيال؟ نعم، ممكن أيضاً.
ما الذي سيلعب الدور الأساس في تأييد، أو معارضة، اتفاق قادة حركتي «فتح» و«حماس»، وكذلك قيادات باقي التنظيمات الفلسطينية، على مرشح واحد للرئاسة، بمثل مكانة مروان البرغوثي النضالية، ورمزية حضوره على الساحة العالمية، كما كان حضور مانديلا؟ ليس من الصعب تحسس الجواب في الواقع الفلسطيني. للأسف الشديد، واضح أن تأثير أطراف غير فلسطينية عدة في تحديد مواقف قادة الفصائل الفلسطينية لم يزل يلعب دور الطرف المهيمن في التحكم في المسار الفلسطيني. لن يستطيع أي فصيل فلسطيني مرتهن الإرادة لطرف خارج فلسطين؛ خصوصاً عندما يكون المال هو أساس عصب الارتهان، أن يغير منهج علاقاته مع الفصائل المختلفة، أو المتصادم معها، بلا إشارة ضوء أخضر يمن بها المصدر الخارجي للأموال. باختصار، هذه هي العقبة الكأداء التي حالت، وتحول، وسوف تواصل الحيلولة، دون توصل مختلف الفرقاء الفلسطينيين إلى تفاهم حقيقي قادر بالفعل على إنهاء كل خلاف ليس من معنى له سوى أنه نوع من المناكدة بين أشخاص بشأن اقتسام حصص ومواقع سلطوية، أو أنها مكايدة فصائلية، تعمل لحساب عواصم لكل منها أجندة تخص صالحها، وليست تعنيها من قريب، أو بعيد، أوضاع الفلسطيني كإنسان يحتاج أن يمارس حياته بشكل طبيعي، مثل أي شخص آخر في الدنيا.
إنما، أي إنسان فلسطيني؟ منذ توقيع سيئ الذكر اتفاق أوسلو، وقع كثير من الإجحاف بحق الفلسطينيين في مخيمات اللجوء، أو في الشتات. لم يعد من الوارد ذكر اللاجئين، إلا إذا تطرق الكلام إلى مسألة عودتهم من منافيهم. بات هؤلاء كأنهم مجرد أرقام. كما لو أنهم غير موجودين كبشر، وليس لهم حق القول بشأن مختلف القضايا التي تتعلق بقضية وطنهم، فلسطين، ومنها، أولاً: إنهاء انقسام القيادات. وثانياً: إجراء انتخابات تشريعية أو رئاسية. وهناك: ثالثا، ورابعاً، وعدداً من الجوانب. أليس من الغريب، بل المعيب، هكذا تجاهل؟ بلى.
يبقى أن أختم بنقطتين؛ أولاهما إنني لست أدعي ابتكار اقتراح أن يرشح مروان البرغوثي للرئاسة. بلا شك، راودت الفكرة آخرين، وطرح الكلام بشأنها من قبل غير مرةٍ؛ خصوصاً أنه بدأ عامه التاسع عشر داخل زنزانة الأسر في الخامس عشر من أبريل (نيسان) الماضي. ثانيتهما؛ إنني أدرك، كما غيري، وجود أكثر من قائد فلسطيني داخل سجون الأسر الإسرائيلي، بينهم، مثلاً وليس حصراً، المناضل أحمد سعدات، الأمين العام للجبهة الشعبية، المحكوم بالسجن مدة ثلاثين عاماً في 25 - 12 - 2008، يوم ذكرى ميلاد المسيح عليه السلام. مقاربة زمنية تلفت النظر. لكن المسألة ليست مفاضلة بين أي منهم؛ فكل منهم صاحب سجل هو محل تقدير مواطنيهم، قدر ما هي أن يقرر قادة التنظيمات، ولو مرة واحدة في العمر النضالي لهم، أن يتفقوا على شيء واحد ثم ينفذونه بالعمل الجاد، وليس عبر تصريحات مصحوبة بابتسامات أمام أضواء الكاميرات. هل صعب هذا أم مستحيل؟ ربما يتوقف الأمر على من يقرر الجواب، من خارج فلسطين، قبل أن يصرح به هذا القيادي، أو ذاك، أما إذا سئل أي مواطن فلسطيني، سواء في قطاع غزة والضفة الغربية، أو بأي من منافي الشتات في بقاع الكوكب كله، السؤال ذاته، فلن يتردد في القول ما معناه: كلا، أبداً ليس صعباً، ولا هو بمستحيل، إنما هو السهل الممتنع لأن الإرادة ليست مستقلة.