توقيت القاهرة المحلي 07:06:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مَن يجرؤ على الكلام؟

  مصر اليوم -

مَن يجرؤ على الكلام

بقلم : بكر عويضة

  غني عن القول إن عنوان المقال ليس من عندي. معروف أن بول فيندلي، عضو الكونغرس الأميركي (1961 - 83) أصدر عام 1985 كتاباً حمل العنوان التالي: THEY DARE TO SPEAK OUT.

أما الترجمة العربية للكتاب ذاته، فصدرت بعنوان «من يجرؤ على الكلام؟». يعرف، كذلك، كل متابع لنشاط جماعات الضغط الإسرائيلي داخل الولايات المتحدة، كم من المعارك يخوض ذلك «اللوبي»، المتربص الدائم بكل مناهض لسياسات تل أبيب، بل حتى من تحوم حول أفكاره، أو تفكيرها، شبهة تحامل على إسرائيل، ولو تضمنها نص مقال أو بحث أكاديمي، إذ سرعان ما تنزل لميدان التصدي قوى عدة، تلتقي عند هدف واحد: حماية إسرائيل، من أي «بغض» يرد ضمن صفحات كتاب، أو «كلام مغرض»، يتردد عبر منصات الخطابة في مؤتمرات أحزاب، أو كواليس منظمات دولية، أو حتى خلال ندوات ثقافية.

يحدث نوع من الفزع في أوساط جماعات الضغط تلك، رغم كامل الإدراك أن ما يقال ليس سوى مجرد كلام، ما هو بمُسمِّن هُزال لاجئ فلسطيني، أو مسكت جوع أطفال لم تجد أمهم حتى ما تعد به طبخة حصى من عدس تحجر في بعض محال مخيم مشردين، ثم إنه، الكلام ذاته، لن يُغني عن عطش قادة جماهير شارع عربي عطشى دائماً لمواويل أغاني تحرير تطرب السمع منهم، فيشطح بهم الخيال، فإذا هم كمن شطح فاسترخى على شواطئ حيفا أو يافا، وربما عكا، دع عنك قطاع غزة، فهو موبوء بفقر واكتظاظ سكان، سوف يفسدان التخفف من قيظ الصيف، واسترخاء زعامات الزاعقين «حي على الجهاد» من أفخم الدارات ببعض من أرقى مدن وعواصم البلدان في الأرض.

حقاً، كم تثير العجب تناقضات هذا العالم. هذه «إيباك» أميركا، ومن لفّ لفها حول العالم، تملك ما تشاء من إمكانات البطش وإسكات أي كلام «معادٍ» لدولة إسرائيل. وهؤلاء أطفال فقراء ينتمون لبضعة آلاف من عائلات في قطاع غزة محرومة من وجبات إفطار أو سحور منذ بدء شهر رمضان - «الشرق الأوسط» الأحد الماضي. وأولئك كانوا زعماء صمود وتصدٍ رحلوا، أو تقاعدوا غصباً عنهم، يورثون قادة مقاومة وممانعة مهام زعيق لن يؤثر على أوزان أي منهم، بل تجدهم ممتلئين دائماً، وربما غير متنبهين لتأثير زيادة وزن الشحوم على نبض القلب وحبال الصوت!

تناقضات تثير الحيرة. مفهومٌ أن يدفع بول فيندلي، ثمن موقف شجاع، فيخسر في مطالع ثمانينات قرن مضى (1982) أمام دِك ديربن، المدعوم من «اللوبي» ذاته. إنما كيف يمكن فهم تطرف بعض المغالين داخل أميركا في محاباة إسرائيل، إلى حد منع المرشح الجمهوري باتريك ليتل من خوض انتخابات حاكم كاليفورنيا لمجرد أنه غير موالٍ لسياسات تل أبيب ويرفض دعم مصالح بلد أجنبي. عندما وصل إلي، الجمعة الماضي، شريط فيديو من صديق يحكي فيه مستر ليتل قصة منعه من الترشح، كدت ألا أصدق أن مثل هذا الأمر لم يزل يقع في أميركا القرن الحادي والعشرين. بكل تأكيد، يمكن فهم موقف الرجل والتعاطف معه. لكن، في الآن نفسه لم ترُق لي مشاهد البصاق والدعس بالحذاء على العلم الإسرائيلي. أعرف مسبقاً أن قولي هذا لن يروق لكثيرين غيري. إنما، ألم يحن للعقلاء إدراك أن البصاق لن يغرق جيش احتلال فتبتلعه أرض يذيق أهلها مر الهوان، ثم إن حرق الأعلام وصور الزعماء ليس بضارٍ لأحد منهم، وإنما يضر بصورة أصحاب حق أجدر بقياداتهم أن تتصرف بحكمة القول وحسن التصرف؟

غريب ألا يفهم كثير من الناس، كيف يصيب المرء ذاته بأذى يحاول صده عن نفسه. الخميس الماضي، رغم حرصها على التعاطف مع مواقف إسرائيل، خصصت صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية مساحة معتبرة من صفحتها الأولى لصورة أمٍ فلسطينية فُجعت في مقتل رضيعها برصاص الجيش الإسرائيلي قرب منطقة الحدود مع غزة. لِم كل هذا التجبّر؟ وهل ثَمّ ما يبرر إطلاق النار باتجاه نساء عزل؟ كلا، لكن ألا يجوز التساؤل، أيضاً، هل مِن الضروري حمل رضيع إلى مكان مشتعل بنار صدامات بين الحجر الفلسطيني والرصاص الإسرائيلي؟ لست أدري لماذا بدأت أشعر أنني أوشكت دخول منطق بول فيندلي ذاته: من يجرؤ على الكلام؟ تراها رقابة ذاتية، أم الخوف من إغضاب الأغلبية؟ ربما كلاهما معاً.

نقلًا عن الشرق الآوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مَن يجرؤ على الكلام مَن يجرؤ على الكلام



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني
  مصر اليوم - مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 00:03 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

نيقولا معوض بطل كليب تركي دويتو مع إيلين ييليز
  مصر اليوم - نيقولا معوض بطل كليب تركي دويتو مع إيلين ييليز

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 16:22 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

جماهير تطلب فتح المدرج الشرقي في مواجهة بوركينا

GMT 11:58 2024 الخميس ,06 حزيران / يونيو

أفضل فساتين الخطوبة للمحجبات

GMT 00:10 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5 درجات يضرب ألاسكا الأميركية

GMT 08:42 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير شئون «النواب» يناقش تطورات مجال حقوق الانسان في مصر

GMT 12:54 2019 الأربعاء ,04 أيلول / سبتمبر

الفنانة يارا تفاجئ جمهورها علي تطبيق "سناب شات

GMT 03:31 2019 السبت ,29 حزيران / يونيو

فيل يبتكر طريقة ذكية ليتناول طعامه من فوق شجرة

GMT 13:03 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

فولكس فاجن تكشف عن أسعار أيقونتها Passat موديل 2020

GMT 17:41 2019 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

الفنانة مريم حسن تتعاقد على بطولة مسلسل "أبو جبل"

GMT 23:17 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

دورة تحكيم في جمباز الأيروبيك بالاتحاد الدولي للجمباز

GMT 16:26 2019 الثلاثاء ,15 كانون الثاني / يناير

دراسة تؤكّد أن الهاتف المحمول أقذر بـ7 أضعاف من مقعد المرحاض

GMT 04:58 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

هنا الزاهد تستعد لأول مسلسل مع خطيبها الفنان أحمد فهمي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon