توقيت القاهرة المحلي 06:36:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مَن يجرؤ على الكلام؟

  مصر اليوم -

مَن يجرؤ على الكلام

بقلم : بكر عويضة

  غني عن القول إن عنوان المقال ليس من عندي. معروف أن بول فيندلي، عضو الكونغرس الأميركي (1961 - 83) أصدر عام 1985 كتاباً حمل العنوان التالي: THEY DARE TO SPEAK OUT.

أما الترجمة العربية للكتاب ذاته، فصدرت بعنوان «من يجرؤ على الكلام؟». يعرف، كذلك، كل متابع لنشاط جماعات الضغط الإسرائيلي داخل الولايات المتحدة، كم من المعارك يخوض ذلك «اللوبي»، المتربص الدائم بكل مناهض لسياسات تل أبيب، بل حتى من تحوم حول أفكاره، أو تفكيرها، شبهة تحامل على إسرائيل، ولو تضمنها نص مقال أو بحث أكاديمي، إذ سرعان ما تنزل لميدان التصدي قوى عدة، تلتقي عند هدف واحد: حماية إسرائيل، من أي «بغض» يرد ضمن صفحات كتاب، أو «كلام مغرض»، يتردد عبر منصات الخطابة في مؤتمرات أحزاب، أو كواليس منظمات دولية، أو حتى خلال ندوات ثقافية.

يحدث نوع من الفزع في أوساط جماعات الضغط تلك، رغم كامل الإدراك أن ما يقال ليس سوى مجرد كلام، ما هو بمُسمِّن هُزال لاجئ فلسطيني، أو مسكت جوع أطفال لم تجد أمهم حتى ما تعد به طبخة حصى من عدس تحجر في بعض محال مخيم مشردين، ثم إنه، الكلام ذاته، لن يُغني عن عطش قادة جماهير شارع عربي عطشى دائماً لمواويل أغاني تحرير تطرب السمع منهم، فيشطح بهم الخيال، فإذا هم كمن شطح فاسترخى على شواطئ حيفا أو يافا، وربما عكا، دع عنك قطاع غزة، فهو موبوء بفقر واكتظاظ سكان، سوف يفسدان التخفف من قيظ الصيف، واسترخاء زعامات الزاعقين «حي على الجهاد» من أفخم الدارات ببعض من أرقى مدن وعواصم البلدان في الأرض.

حقاً، كم تثير العجب تناقضات هذا العالم. هذه «إيباك» أميركا، ومن لفّ لفها حول العالم، تملك ما تشاء من إمكانات البطش وإسكات أي كلام «معادٍ» لدولة إسرائيل. وهؤلاء أطفال فقراء ينتمون لبضعة آلاف من عائلات في قطاع غزة محرومة من وجبات إفطار أو سحور منذ بدء شهر رمضان - «الشرق الأوسط» الأحد الماضي. وأولئك كانوا زعماء صمود وتصدٍ رحلوا، أو تقاعدوا غصباً عنهم، يورثون قادة مقاومة وممانعة مهام زعيق لن يؤثر على أوزان أي منهم، بل تجدهم ممتلئين دائماً، وربما غير متنبهين لتأثير زيادة وزن الشحوم على نبض القلب وحبال الصوت!

تناقضات تثير الحيرة. مفهومٌ أن يدفع بول فيندلي، ثمن موقف شجاع، فيخسر في مطالع ثمانينات قرن مضى (1982) أمام دِك ديربن، المدعوم من «اللوبي» ذاته. إنما كيف يمكن فهم تطرف بعض المغالين داخل أميركا في محاباة إسرائيل، إلى حد منع المرشح الجمهوري باتريك ليتل من خوض انتخابات حاكم كاليفورنيا لمجرد أنه غير موالٍ لسياسات تل أبيب ويرفض دعم مصالح بلد أجنبي. عندما وصل إلي، الجمعة الماضي، شريط فيديو من صديق يحكي فيه مستر ليتل قصة منعه من الترشح، كدت ألا أصدق أن مثل هذا الأمر لم يزل يقع في أميركا القرن الحادي والعشرين. بكل تأكيد، يمكن فهم موقف الرجل والتعاطف معه. لكن، في الآن نفسه لم ترُق لي مشاهد البصاق والدعس بالحذاء على العلم الإسرائيلي. أعرف مسبقاً أن قولي هذا لن يروق لكثيرين غيري. إنما، ألم يحن للعقلاء إدراك أن البصاق لن يغرق جيش احتلال فتبتلعه أرض يذيق أهلها مر الهوان، ثم إن حرق الأعلام وصور الزعماء ليس بضارٍ لأحد منهم، وإنما يضر بصورة أصحاب حق أجدر بقياداتهم أن تتصرف بحكمة القول وحسن التصرف؟

غريب ألا يفهم كثير من الناس، كيف يصيب المرء ذاته بأذى يحاول صده عن نفسه. الخميس الماضي، رغم حرصها على التعاطف مع مواقف إسرائيل، خصصت صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية مساحة معتبرة من صفحتها الأولى لصورة أمٍ فلسطينية فُجعت في مقتل رضيعها برصاص الجيش الإسرائيلي قرب منطقة الحدود مع غزة. لِم كل هذا التجبّر؟ وهل ثَمّ ما يبرر إطلاق النار باتجاه نساء عزل؟ كلا، لكن ألا يجوز التساؤل، أيضاً، هل مِن الضروري حمل رضيع إلى مكان مشتعل بنار صدامات بين الحجر الفلسطيني والرصاص الإسرائيلي؟ لست أدري لماذا بدأت أشعر أنني أوشكت دخول منطق بول فيندلي ذاته: من يجرؤ على الكلام؟ تراها رقابة ذاتية، أم الخوف من إغضاب الأغلبية؟ ربما كلاهما معاً.

نقلًا عن الشرق الآوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مَن يجرؤ على الكلام مَن يجرؤ على الكلام



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت

GMT 14:38 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

جاكيتات "جلد النمر" الرائعة موضة العام المقبل

GMT 10:24 2015 الإثنين ,16 آذار/ مارس

"كلام من القلب" يقدم طرق علاج كسور الفخذ

GMT 04:18 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

منال جعفر بإطلالة "رجالي" في آخر ظهور لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon