توقيت القاهرة المحلي 07:20:24 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأصل فلسطين والاسم إسرائيل

  مصر اليوم -

الأصل فلسطين والاسم إسرائيل

بقلم:بكر عويضة

الاثنين الماضي، كان آخر يوم أمامي لتنفيذ التزام قانوني يتعلق بالإجابة عن أسئلة إحصاء السكان البريطاني لعام 2021. في التعداد السابق، سنة 2011، وصلتني الاستمارة ورقياً، ولم يك صعباً التعامل بالقلم مع ما تضمنت من استفسارات. هذه المرة، لم يكن هناك مفر من الإجابة إلكترونياً. إذ ذاك هو الحال، دخلت موقع الإحصاء ورحتُ أجيب عن الأسئلة بلا كثير صعوبة تُذكر، حتى فوجئت بمطالبتي أن أذكر الاسم الحالي لمكان ولادتي. تأملت الأمر؛ أليس الاسم هو إسرائيل؟ بلى. حسناً، ضع الكلمة، إذنْ، في المستطيل الذي يطل من الشاشة. ليكن، بدأت بالحرف الأول «I» فالثاني «S» وإذا بالكومبيوتر يكمل الاسم بلا انتظار مني «ISRAEL». لم أرتح للأمر. أحسست بنَفَس ثقيل يرتفع وينزل داخل صدري، كأن شبحاً يقف خلفي يصرّ على أن أخضع لما هو واقع، فسواء رضيت أمْ رفضت، ليس مهماً، في نظر واضع الاستمارة. لكن النَفَس المقاوِم داخل وعيي أصر على أن أثبّت كلمة فلسطين. بدأت بأول حروفها «P»، ثم ثانيها «A»، فقفز الشبح خلف الشاشة وأكمل «PAKISTAN». ضحكت، قهراً، ليس لأن لديّ إحساس تنافر مع باكستان، وأهلها، إطلاقاً، بل لمجرد أن الكومبيوتر يرفض الإقرار باسم بلدي الأصل، ولا يعطيني مجرد حق الاختيار بينه وبين الاسم الحالي للدولة القائمة على معظم أرضه. ما الحل؟ فجأة أطل آخر سهم في جعبتي، كما يتجلى وحي القصيد، لقرّاض الشعر، ومبدعاته - بالتأكيد ليس لي - بلا سابق موعد؛ فقلت أضع اسم المدينة، بئر السبع، ثم بعد الفاصلة، فلسطين، فأرى ما سيحصل. انتظرت رد الفعل، فأتى كما تمنيت، لم يعترض «السيستم»، بل أعطاني حق تثبيت مكان ولادتي التابع لوطني، كما كان يُسمى يوم وُلدتُ.
على الأغلب أن هكذا إشكالاً لم يواجه معظم حاملي جنسية هذا البلد، ممن شاركوا، قانونياً، في تعداد السكان. بالتأكيد، ليس أمام العربي المغترب في بريطانيا، أياً كان البلد الأصل، أي مشكلة عند الإجابة عن سؤال يتعلق بالاسم الحالي للبلد الذي جاء منه، فاسم الوطن لم يزل هو نفسه، حتى لو وُجِد في أجزاء منه غريبٌ يحتل بعضاً من أرضه، وحتى لو نعق بكثير من مدنه أو قراه بوم الخراب، وحامت في الأجواء منه غربان الدمار؛ يبقى العراق، مثلاً، هو العراق، وليبيا أيضاً، وكذلك سوريا. وحده الفلسطيني، سوف يواجه دائماً معضلة الإقرار بأن اسم بلده الحالي، ليس هو الاسم الأصل الذي عرفه آباؤه، ومن قبلهم أجداده، يوم ميلاده هو، أو مولدهم جميعاً. قد يبدو المشكل هيّناً لأغلب الناس، إنما مَن قال إن ألم الوجع يحس به غيرك، تماماً، كما يمس مسام الجلد منك؟ غير ممكن.
حكايتي هذه، مع ملء بيانات الإحصاء السكاني، فتحت صفحة ذات أهمية بين صفحات أرشيف الذاكرة. مررتُ بتجربة تشبهها، إنما أكثر واقعية، وبالتالي تظل أهمّ من حيث دلالاتها. حدث ذلك بعد أيام من توقيع اتفاق أوسلو (13-9-1993) عندما فاجأني الأستاذ عثمان العمير، رئيس تحرير «الشرق الأوسط» آنذاك، بقرار إيفادي إلى قطاع غزة، للكتابة من هناك عما بعد الاتفاق. بالطبع، كان الوصول إلى غزة يتطلب النزول أولاً في مطار تل أبيب. ليس هنا مجال الحديث عما رافقني من أحاسيس منذ ركوب الطائرة في هيثرو، ثم تغييرها في باريس، حتى الغرق في أمواج ما تلألأ من أضواء ساحل حيفا لحظات آخر الليل. المساحة ذاتها ليست تتسع لما يتطلب آلاف الكلمات. لذا أختصر؛ بعد طول انتظار في الطابور، وجدتني أمام ضابطة أمن شابة تسألني: هل هذه أول زيارة لك لإسرائيل؟ أجبت نعم. ذهبت ثم عادت رفقة ضابطة أيضاً لكنها أكبر سناً. سألت السؤال ذاته، فأجبت الجواب نفسه. ذهبتا؛ ثم عادتا ومعهما ضابط يكبرهما عمراً، وخبرة بالطبع. سأل هو أيضاً، فيما يحدق في جواز السفر البريطاني، لكنه أضاف: أرجوك أعطنا الجواب الصحيح. قلت: هو بالضبط ما فعلت. بدا متوتراً، إذ لفت نظري إلى أن مسقط رأسي هو بئر السبع. فقلت: نعم، صحيح، لكنها كانت حتى ميلادي ثم هجرتي مع والديّ إلى غزة تتبع فلسطين. بالمناسبة؛ دعوني أسألكم: متى أعلنتم دولة إسرائيل؟ أجابوني معاً، 15 مايو 1948. قلت: إذن؟ أجابوا: معذرة، نعم جوابك سليم. ثم بدأ مسلسل تحقيق طويل، لعلي أرجع إليه مستقبلاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأصل فلسطين والاسم إسرائيل الأصل فلسطين والاسم إسرائيل



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان
  مصر اليوم - مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 00:03 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

نيقولا معوض بطل كليب تركي دويتو مع إيلين ييليز
  مصر اليوم - نيقولا معوض بطل كليب تركي دويتو مع إيلين ييليز

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 16:22 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

جماهير تطلب فتح المدرج الشرقي في مواجهة بوركينا

GMT 11:58 2024 الخميس ,06 حزيران / يونيو

أفضل فساتين الخطوبة للمحجبات

GMT 00:10 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5 درجات يضرب ألاسكا الأميركية

GMT 08:42 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير شئون «النواب» يناقش تطورات مجال حقوق الانسان في مصر

GMT 12:54 2019 الأربعاء ,04 أيلول / سبتمبر

الفنانة يارا تفاجئ جمهورها علي تطبيق "سناب شات

GMT 03:31 2019 السبت ,29 حزيران / يونيو

فيل يبتكر طريقة ذكية ليتناول طعامه من فوق شجرة

GMT 13:03 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

فولكس فاجن تكشف عن أسعار أيقونتها Passat موديل 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon