بقلم : بكر عويضة
قبل تصفح أي منبر إخباري صباح أول من أمس، كان بالوسع تخيل ما سيقول الذين سارعوا للربط بين فجور جرائم تفجير ثلاث كنائس نهار اليوم السابق (الأحد) بمدينة سورابايا في إندونيسيا، وبين تسارع أحداث وضع متفجر في القدس نشأ عن ضرب الرئيس دونالد ترمب رأس كل منطق، عرض حائط العِناد، إذ أصر على تنفيذ قرار نقل السفارة الأميركية، رغم اعتراض أغلب حكومات الأرض، إلى مدينة يخضع الشرق منها لاحتلال إسرائيل الظالم منذ أكثر من خمسين عاماً، وها هو جيش الاحتلال المغتصب حقوق أجيال رحلت تحمل حسرة أرض ضاعت، وأجيال تتطلع لغد أفضل، يتمادى في جور سحق إنسانية الفلسطيني لمجرد الحلم بحق العودة.
هل ثمة ما يُدهش في الربط بين خطأين فإذا الحاصل خطيئة يمكن لكل عقل مبصر أن يراها بلا عناء يُذكر. ولئن كان لا بدّ من التذكير، فيمكن فتح أولى صفحات كارثة غزو الكويت (2 - 8 - 1990) عندما أوحى بعض ممن حملوا في رقابهم أمانة قضية فلسطين، للرئيس العراقي زمنذاك، صدام حسين، كي يعلن ما سماه «مبادرة الربط»، يومذاك، شهدت أوساط تبرير كارثة الغزو، تصفيق كثيرين زعق أغلبهم بأن تلك كانت «ضربة معلم»، وانساق وراءهم مغلوبون على أمرهم، يسارعون إلى التعلق بقش الوهم لمجرد أنهم يصدقون ما يسمعون، فيغشاهم أملٌ بقرب تحقق ما يتطلعون إليه بصدق. لم يسأل البسطاء أنفسهم، ماذا لو قيل لحاكم العراق، يومها، ما معناه: حسناً، يهمنا النفط أولاً، ابق في الكويت، ونبقى نحن في الضفة وغزة، ثم اربط ما شاء لك الربط سنين أمداً؟
ليس من العدل لوم مَنْ يعيش الظلم سنين تطول حتى تبدو الحياة معها كما ليل تسرمد، وإذ ذاك هو الحال، فأنى يتلو الظلامَ فجرٌ تشرق معه شمس نهار جديد. إنما اللوم يحق، قولاً وفعلاً، على كل مُزيّن للناس سوء أفعال ليس يُقدم عليها سوى مَنْ ركب الرأسَ منه الغُرور، فمشى في طريق الغَرور. إن إزهاق أنفس مصلين داخل كنائس، أو مسجد، أو كنيس، فعلٌ لن يسرّ إلا الشيطان، العدو الأول لخالق الكون، للأنبياء والرسل أجمعين، وللعباد المُخلصين دينهم لله وحده، لا لجماعة، ولا لحزب، ولا لحركة، ولا حتى لأي طائفة. الله هو ربُّ العباد كلهم، إله الناس جميعهم، من كل جنس ولون وعرق ودين، فمم إذن أتى شر إبليس وذريته، المُبرِر ارتكاب جرائم إرهاب البشر باسم أي كتاب سماوي، وفي زماننا هذا، على وجه التحديد، باسم القرآن الكريم، ونبيّه الأمين؟
أتى من ذوي هوى سياسي أو عقائدي. يجترئ أحدهم، أو كثير منهم، فلا يخشى أن يستخدم القول الحق في أي شأن يخدم أهواءً تميزهم عن غيرهم من الناس، سواء كانت سياسية، أو حزبية، أو وظيفية، أو اجتماعية، أو مصلحية، أو حتى دينية. أولئك، في زمان تناسل الفتن هذا، هم، على الأرجح، الذين قال فيهم أصدق القائلين بوضوح صاعق: «أرأيت من اتخذ إلهَهُ هواهُ أفأنت تكون عليه وكيلا». (43 الفرقان). في كل مرة يصدم قبح الإرهاب المتلفح بدين الإسلام مجتمعات الكوكب كلها، وفي مقدمها كل مجتمع مسلم، يقول أغلب المصدومين ما معناه، إن الكيل قد طفح. نعم، صحيح، إنما ما القول الآن وأنت ترى فجور مزيّني الفعل الإرهابي يصل إلى حد فحش تجنيد أسرة من أب وأم وأطفالهما لارتكاب جُرم تفجير أنفسهم في ثلاث كنائس، وقبل أيام من بدء شهر رمضان الخير والتراحم بين الناس؟ هل الحوقلة، مع ضرورتها بالتأكيد، كافية في حد ذاتها؟ كلا، ذلك أن وصول جرائم التفجير الانتحارية باسم الدين الحنيف إلى هذا المستوى هو فجور فاق كل تصوّر حقاً. تُرى، أيقترب حال رسالة الحق المحمدية، من نبوءة نبيها الكريم: «بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء»؟ الله وحده الأعلم، لكن نعلم أيضاً أن النبي ما نطق عن الهوى، وأن يوماً عند الخالق بألف سنة مما يعد البشر. حقاً، ما أبشع فجور إرهاب قتل الأبرياء في معابدهم، وما أفظع جور محتل يرفض الإقرار بحق الفلسطينيين في أرض أجدادهم.
نقلا عن الشرق الآوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع