توقيت القاهرة المحلي 04:31:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جيش صدام... أم العراق؟

  مصر اليوم -

جيش صدام أم العراق

بقلم:بكر عويضة

اُستفِز الرجل لمجرد القول «جيش صدام حسين»، فبادر يرد زاعماً أنني أستكثر أن أنسب الجيش إلى العراق. حصل هذا أثناء نقاش، الأحد الماضي، عندما أشرت إلى أن النهار يصادف مرور ثلاثين عاماً على غزو الكويت. أعود، لاحقاً، لما يحمل رد الفعل المُشار إليه من المعاني. السؤال الأجدر أن أبدأ به المقال، يمكن إيجازه على النحو التالي: هل يجب الاستمرار في إعفاء المجتمع ككل من مسؤولية استمرار حكم الديكتاتور سنين تطول عقوداً، يمارس خلالها ما شاء من أساليب ترويع الناس، بلا ضمير يردع، إضافة إلى إغراق البلاد في حروب تدمر أسس بنيانها الاقتصادي، وتنسف احتمالات نهوضها المستقبلي، وتفتت حتى فسيفساء نسيجها الاجتماعي؟
كلا، ليس منطقياً إعفاء مجتمعات تحكمها ديكتاتوريات شمولية، من مسؤولية إعطاء الفرصة للديكتاتور كي يلج في وحل الطغيان كما يحلو له، وأن يمارس، وفق تفكير ممنهج، إعادة تركيب المجتمع كما يتفق مع أي مشروع تسلطي يتوق إلى تحقيقه، ليس داخل أرض بلده فحسب، وإنما وصولاً إلى مناطق تبعد آلاف الأميال. من السهل، السير على نهج القول إن الشعوب مغلوبة على أمرها. ومن اليسير، دائماً، الاتكال على حجج عدة، أبرزها في هذا السياق، رفض القول الشائع «السكوت علامة الرضى»، والإصرار أن صمت الناس هو نتاج القهر، وليس دائماً دليل رضاها. باختصار، يوجد دائماً تبرير جاهز يدفع عما يسمى «الأغلبية الصامتة» أنها تتحمل أي قدر من المسؤولية، مهما تجاوز طغيان النظام الديكتاتوري من حدود.
صحيح أن مقاومي ديكتاتورية صدام حسين كثر، ومؤكد أنهم دفعوا فادح الثمن منذ البدايات، وبينما كان صدام، الفرد والنظام، يلقيان الترحيب، والتعامل الإيجابي، بل المديح الزائد على اللزوم أحياناً، من قِبل شخصيات عربية متعددة الاتجاهات، ومنابر إعلامية عدة - عَمِلتُ في بعضها - الأمر الذي يثير التساؤل: لماذا، وكيف وقع التناقض بين رؤى طلائع الرافضين للحكم الديكتاتوري، منذ الشهور الأولى لقيامه، ليس في عراق صدام حسين وحده، بل كذلك في ليبيا معمر القذافي، وفي سوريا حافظ الأسد - وابنه من بعده - وبين قناعات غالبية المجتمع داخلياً، التي بدورها أقنعت آخرين في الخارج بواقعية تصوراتهم؟ الجواب ليس مستحيلاً، لكنه أيضاً غير سهل، ثم هو يتطلب مجالاً أرحب من مساحة هذه المقالة. إنما، اختصاراً، يمكن القول إن صدام حسين، بإقدامه على كارثة غزو الكويت، صدم المخدوعين بما كان يختبئ تحت بريق ما رأى فيه كثيرون، داخل العراق وخارجه، حالة نهوض عربية تبشر بإمكانية قيام مجتمع مدني مستقر سياسياً، مزدهر اقتصادياً، متناغم اجتماعياً، وبالتالي واعد مستقبلياً. فجأة، انهار هذا كله تحت جنازير دبابات عراقية تخترق حدود الكويت فجر الاثنين 1990/8/2. وتبين، فيما بعد، خصوصاً بعدما فشلت كل محاولات إقناع صدام حسين بالرجوع عن الخطأ، والانسحاب سريعاً قبل أن يهدم بنفسه كل شيء، أن الوعد واهمٌ، لأنه قائم على أسس واهية اكتفت بالاعتماد على ما يدور في رأس فرد هو السيد الرئيس.
هذا يعيدني إلى مطلع المقال، ولِمَ استفزت عبارة «جيش صدام حسين» أحدهم فرَد عليّ بما رد. بلا إلزام نفسي بحسم اليقين، القاطع لأي شك، سوف أُرجح أن مرجع الاستفزاز هو الانتماء إلى شرائح في المجتمع العربي لا تزال توهم النفس أن الرئيس هو الوطن، والعكس صحيح أيضاً. ربما يقتنع السيد المُستَفَز لو قرأ، بتمعن، في مقال الأستاذ غسان شربل، رئيس تحرير «الشرق الأوسط» بعدد الاثنين الماضي، الفقرة التالية: أروي هنا ما سمعته من رئيس أركان الجيش العراقي آنذاك الفريق أول ركن نزار الخزرجي. قال: «كنت نائماً في منزلي ليلة الأحداث. اتصل بي صباحاً سكرتير عام القيادة العامة الفريق علاء الدين الجنابي وطلب أن أذهب إلى القيادة العامة وحين دخلت مكتبه قال: أكملنا احتلال الكويت... بعد ربع ساعة وصل وزير الدفاع عبد الجبار شنشل وتم إبلاغه بالطريقة نفسها. تصور أن الجيش يُدفع في مغامرة من هذا النوع من دون علم وزير الدفاع ورئيس الأركان... ما عرفته هو أن صدام وضع الخطة شخصياً في حضور حسين كامل وعلي حسن المجيد. ربما استعانوا بآخرين من المقربين لمسائل تفصيلية، لكن الخطة كانت بين الثلاثة». تُرى، هل من دليل أقوى، يوثق أن جيش العراق كان، أولاً، جيش صدام حسين؟ كلا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جيش صدام أم العراق جيش صدام أم العراق



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon