توقيت القاهرة المحلي 03:57:31 آخر تحديث
  مصر اليوم -

غزة متمردة... ثم ماذا؟

  مصر اليوم -

غزة متمردة ثم ماذا

بقلم : بكر عويضة

  صحافي فلسطيني مخضرم. عمل في كبريات الصحف العربية من بينها جريدة "الشرق الاوسط" وصحيفة "العرب" اليومية" كما عمل مستشارا لصحيفة "ايلاف" الإلكترونية.

 ليس من الصعب فهم ما دفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى التحذير من احتمال أن يضطر إلى إعلان غزة «إقليماً متمرداً». الطبيعي في إدارة أي نزاع ينشب بين الحُكم المركزي وسلطة حكم إقليمي لبلد ما أن يجِّد رأس البلاد في جُهد دور الحَكم، من منطلق أنه رئيس كل الناس، ويجتهد في جمع المختلفين حول طاولة حوار صريح، جامع، شامل، لا يذر شاردة ولا واردة من أسباب الخلاف، إلا ويضع كل تفاصيلها تحت المجهر، فلا يغادر المتخاصمون دار سقيفتهم، إلا وقد وُضِع كلُ سبب نزاع وراء الظهور، وانطلق الجمع مشمرين سواعد المضي للأمام، غير ملتفتين للخلف، عازمين على بناء مستقبل الأبناء بما يرضي ضمائر الآباء لجهة ضمان الغد الأفضل لأحفادهم، وليس فقط لأبنائهم. هل أن هذا التصور «رومانسي»، وفق قواميس التحليل السياسي، بعيد عن الواقع، عموماً، والفلسطيني خصوصاً، بُعد شروق التصالح الحقيقي عن حيث تغرب شمس كل مصالحة بعين حمئة تتصارع في قاع أتونها مصالح فصائل المتصارعين؟

ربما هو كذلك. لكن استحضار التخيّل عند التأمل فيما وصلت إليه حال الانقسام الفلسطيني، بات أقرب ما يكون إلى الأمل الوحيد المتبقي لدى كثيرين، كي يتجنب المرء الغرق في لجج يأس نهائي ليس من مَخرج منها. يقتضي الإنصاف القول إن الرئيس محمود عباس بذل ما استطاع من الجهد المطلوب منه للتقريب بين طرفي الانقسام الرئيسيين، حركة «فتح»، التي هو أحد قادتها المؤسسين، وحركة «حماس»، التي أقدمت على انقلاب في قطاع غزة (صيف 2007) أطاح حكم شرعية فلسطينية معترف بها دولياً. أدرك، مسبقاً، أن ثمة أصواتاً سوف ترتفع فور الانتهاء من الأسطر السابقة، لتعلن أنني أتحامل على «حماس»، ومن ثمّ ليس من داعٍ لإكمال القراءة. التعامل الموضوعي مع ردود فعل شرائح الجمهور على اختلاف توجهاتها، يوجب السماح لوجهة النظر هذه التعبير عن مكنونها بصريح القول. إنما، في الآن نفسه، يُفترض أن يقبل المعترض وضع آرائه على طاولة التشريح الموضعي، حتى يتبيّن الأبيض من الأسود في كل ما هو موضع اختلاف في الرأي. إزاء ذلك، يجوز إلقاء السؤال التالي: مم أتى أول إسفين دُقّ بالجسم الفلسطيني القادم من منافي الأردن، لبنان، سوريا، السودان، اليمن، ثم تونس، لبدء إقامة حلم الكيان المستقل فوق أرض فلسطين الواقع؟ أتحاملٌ هو إذا قيل إن ذلك الإسفين لم يك سوى انقلاب «حماس» على مجمل السلطة الوطنية الفلسطينية وقرارها الاستفراد بحكم القطاع؟

من جانب شخصي، لست أرى سبباً أشد فتكاً بوحدة الجسم الفلسطيني، من ذلك الانقلاب. صحيح أن ممارسات كثيرة من جانب بعض ممارسي مسؤوليات حكم حركة «فتح» السابق لانقلاب «حماس»، كانت على درجة فساد أفظع من الاحتمال. شهدت ذلك بنفسي خلال أكثر من رحلة عمل صحافي، بعد اتفاق أوسلو (13 - 9 - 1993). سمعت بين بسطاء الناس، خلال تلك الرحلات، من يقول، بألم شديد، إن سنوات الاحتلال الإسرائيلي لم تشهد مثل ذلك الفساد. مبالغة؟ ربما، لكنها ليست من فراغ، كما كل دخان، لم تأت بلا نار نفخت فيها. مع ذلك، هل كان الانقلاب الحمساوي هو الحل؟ بالتأكيد كلا. ولو كان كذلك، لما بلغت الحال ما وصلت إليه. قبل بضعة أيام، سألت أحدهم عن أحوالهم هناك، فقال بما يشبه الكوميديا السوداء إن سواد الناس، أو قل أغلبهم، مثل صبي متهم بالشقاوة من قبل الكبار، فيتناوب على ضربه شقيقاه، كلما تعب أحدهما من الضرب واصل المهمة الثاني. بالطبع، فهمكم كافٍ، لكن لا ضرر من التوضيح، الشقيقان هما زعماء «حماس» و«فتح»، والصبي هو السواد الأعظم من أهل غزة، المضروب بعصا انقسام يبدو أنه استعصى على كل تصالح.

مع ذلك، هل إعلان قطاع غزة «إقليماً متمرداً»، هو الحل؟ الأرجح أن الإجابة كلا. لماذا؟ ببساطة، لأن هذا سوف يزيد من معاناة بسطاء الناس، ولن يضر زعامات حركة «حماس» بشيء. عزل غزة عن الضفة الغربية لن يجعل منها «تايوان جديدة»، ولا السلطة في رام الله بوسعها أن تكون بجبروت تنين الصين الشعبية. الحل، إن لم يزل ثمة أمل، هو فقء الدمل بجراحة تبتر الانقسام بدل إدمان حبوب تسكين مخادعة، كأنما المطلوب مزيد من التقرّح والتعن.

نقلاً عن الشرق الاوسط

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزة متمردة ثم ماذا غزة متمردة ثم ماذا



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني
  مصر اليوم - مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 00:03 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

نيقولا معوض بطل كليب تركي دويتو مع إيلين ييليز
  مصر اليوم - نيقولا معوض بطل كليب تركي دويتو مع إيلين ييليز

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 16:22 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

جماهير تطلب فتح المدرج الشرقي في مواجهة بوركينا

GMT 11:58 2024 الخميس ,06 حزيران / يونيو

أفضل فساتين الخطوبة للمحجبات

GMT 00:10 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5 درجات يضرب ألاسكا الأميركية

GMT 08:42 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير شئون «النواب» يناقش تطورات مجال حقوق الانسان في مصر

GMT 12:54 2019 الأربعاء ,04 أيلول / سبتمبر

الفنانة يارا تفاجئ جمهورها علي تطبيق "سناب شات

GMT 03:31 2019 السبت ,29 حزيران / يونيو

فيل يبتكر طريقة ذكية ليتناول طعامه من فوق شجرة

GMT 13:03 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

فولكس فاجن تكشف عن أسعار أيقونتها Passat موديل 2020

GMT 17:41 2019 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

الفنانة مريم حسن تتعاقد على بطولة مسلسل "أبو جبل"

GMT 23:17 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

دورة تحكيم في جمباز الأيروبيك بالاتحاد الدولي للجمباز

GMT 16:26 2019 الثلاثاء ,15 كانون الثاني / يناير

دراسة تؤكّد أن الهاتف المحمول أقذر بـ7 أضعاف من مقعد المرحاض

GMT 04:58 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

هنا الزاهد تستعد لأول مسلسل مع خطيبها الفنان أحمد فهمي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon