توقيت القاهرة المحلي 02:56:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

معركة فلسطينية متأخرة

  مصر اليوم -

معركة فلسطينية متأخرة

بقلم:بكر عويضة

تُضرَب الأمثالُ للناس بقصد الاعتبار مما تحمل قصصها، التي أدت، أساساً، إلى إنشاء بنيانها اللغوي، ثم بغرض الاسترشاد بها فيما هم فيه من أحوال، وبرجاء أن يتجنَّب المعاصرون أخطاء فادحة ارتكبها الأولون، جماعات أو أفراداً، وتسببت في ويلات تعسر إيجاد حلول لها، وأحياناً يتعثر مخاض الحل رغم وضوح منهجه، بفعل تزمّت عقول ترفض التوقف عن النظر إلى الوراء، فإذا بالأخطاء تتراكم كأنَّها جبال، وتقيم بين أهلها أزماناً، تؤثر طوالها عميقاً في مسار حاضرهم، حتى تكاد تقفل الأبواب تماماً أمام أجيال مستقبلهم. حصل هذا من قبل، ولم يزل. إنما، من طرائف الأخذ بالأمثال، أنها تقع في تضارب فيما بينها، فتُحير السامع المحتكم إليها. خذ، مثلاً، القول العربي الشائع: «ما تأخر مَنْ جاء»، والقول المرادف له: «أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً»، والذي يقابله بلغة الإنجليز: «IT’S NEVER TOO LATE» أو «IT’S NEVER OVER TILL IT’S OVER». في المثلين؛ تتفق الثقافتان على تشجيع واضح يحض المرء على أن يرفض الاستسلام للزمن، فيواصل المضي في طريق ما عقد العزم عليه. بالمقابل، وهنا التضارب؛ ثمة قول إنجليزي يصدم إذ يحسم بقفل الباب أمام الطارق «TOO LITTLE TOO LATE»، فلا يتيح المجال لأي جهد يُبذل بقصد إصلاح حال، أو تحقيق صلح بين أقوام متنازعين، أو إقفال ملف إشكال قانوني بعدما فُتح في المحاكم سنين طالت عقوداً بلا أي حل.
وجدت نفسي أتأمل، بشكل محدد، مدى احتمال أن يحق المثل المضروب في الحالة الأخيرة، على سابقة فلسطينية في منتهى الأهمية، فور ما بلغني النبأ مطلع هذا الأسبوع. السابقة أقدم عليها فلسطينيون يحق لهم أن يُقدر جهدهم بكل ما يستحق من تقدير، وأهم التقدير هو توفير الدعم بكل الصور والأساليب الممكنة، سواء من قِبل الفلسطينيين، أفراداً وهيئات، أو في الجانب العربي وأيضاً العالمي. ضمن هذا السياق، آمل ألا يُفهم قولي إنها سابقة مهمة جداً، لكنها تأخرت كثيراً، وبالتالي يصعب تخيل أن تعطي ثمراً يتناسب مع أهميتها، خصوصاً على الصعيد البريطاني، من منطلق تقليل شأنها. توضح التفاصيل، وفق ما تداول أكثر من موقع إخباري، أن المحكمة الابتدائية في نابلس قضت يوم الأحد 21 فبراير شباط الماضي، ببطلان الوعد الصادر في الثاني من نوفمبر تشرين الثاني عام 1917 عن آرثر جيمس بلفور، وزير الخارجية البريطاني آنذاك. استندت المحكمة إلى أن الوعد ينتهك قواعد القانون الدولي، وحمّلت المملكة المتحدة كامل المسؤولية القانونية عما أدَّى إليه الوعد من أذى لحق بالشعب الفلسطيني وحرمانه من حقوقه. المحامي نائل الحوح، رئيس الفريق القانوني الذي تابع القضية، صرّح بأن قرار المحكمة «دشن لمعركة قانونية كانت غائبة عن قيادة شعبنا». صحيح تماماً. لقد أصاب السيد الحوح، حقاً، وضرب فعلاً على عصب مجروح حين قال إنها «معركة قانونية كانت غائبة عن قيادة شعبنا».
لكن، انسجاماً مع ما سبق، هل يصح القول، أيضاً، إنَّها معركة قضائية غابت طويلاً، ومن ثم الأرجح ألا توصل إلى ما يُبتغى منها؟ قبل الحسم بالجواب القاطع، من الواجب الاطلاع على تفاصيل رفع الدعوى. ترجع المسألة إلى أكتوبر تشرين الأول من العام الماضي، عندما تقدم محامون بدعوى قضائية أمام محكمة نابلس الابتدائية، نيابة عن «التجمع الوطني للمستقلين»، الذي يرأسه السيد منيب المصري، رجل الأعمال المعروف باستقلال القرار والإرادة، وصاحب المبادرات الوطنية الأكثر من إمكانية أن تُحصى، إضافة إلى «المؤسسة الدولية لمتابعة حقوق الشعب الفلسطيني»، و«نقابة الصحافيين الفلسطينيين»، ضد الحكومة البريطانية، محملين إياها مسؤولية وعد بلفور. استنندت الدعوى إلى أساس الطعن بالوعد، وطالبت بإبطاله وإبطال كل ما نتج عنه، وباعتذار بريطانيا للشعب الفلسطيني، وتحميلها كامل المسؤولية عن النكبة، واحتلال أراضيه، ومحاسبتها على «جرائمها خلال فترة حكمها العسكري لفلسطين». ليس بوسع أحد أن يجادل بأهمية السابقة، أو بمشروعية مطالبها، ومن الواجب تكرار المطالبة بدعم القائمين عليها، إنما سوف يبقى السؤال قائماً؛ هل يمكن أن تعطي الدعوى أمام محكمة نابلس الابتدائية أي مردود ما لم تنتقل إلى ساحة القضاء البريطاني، ويَصْدر بشأنها حكمٌ يقطع دابر الشك بحق اليقين؟ الأرجح أن الإجابة هي كلا؛ لكن ذلك يجب ألا يمنع المحاولة، أو الاستسلام للقول الإنجليزي ذاته، تأخرتم كثيراً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معركة فلسطينية متأخرة معركة فلسطينية متأخرة



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon