توقيت القاهرة المحلي 04:01:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ميانمار جديرة بالإكبار

  مصر اليوم -

ميانمار جديرة بالإكبار

بقلم:بكر عويضة

ما جرى في ميانمار، منذ مطلع فبراير (شباط) الحالي، ولم يزل يجري، يعيد إلى الأذهان شبح محنة تختفي زمناً، قد يطول أو يقصر، ثم تعاود الظهور من جديد. واضح أن تلك المحنة، التي تأخذ أحياناً شكل مأزق يستعصي على الحل، تكاد تقتصر على شعوب دون غيرها، خصوصاً في دول لم تزل للعسكر فيها، تحديداً قادة الجيوش، أدوار يصرون على ممارستها خارج ثكناتهم، بمعنى أنهم يتمسكون بما يرون أنه حق لهم. جوهر ذلك «الحق» أن كلمتهم ليس يجب أن تصغي لها آذان الساسة فحسب، بل أن تعيها أيضاً، وإذا تطلب الأمر أن تُطبق، فلا مناص أمام الممسكين بزمام العمل السياسي، سوى الالتزام بها، حتى في المجالات التي تخص شؤون البلاد غير العسكرية، بما في ذلك تفاصيل ليست تعنيهم، كونها تُعنى بأمور عيش الناس اليومية، والأرجح أن التعامل معها يحتاج كفاءات غير متوفرة لغير أهل الاختصاص. لكن هذا الاشتراط الحِرَفي جداً، لن يحول دون إقحام مجموعة من الضباط أنوفهم في أمر سياسي، أو علمي، أو اقتصادي، أو صحي، أو تعليمي، وربما فني، أما ثمن الاعتراض على تدخلهم، فهو التلويح الفوري بشبح انقلاب مسلح سوف يلقي القبض على كبار الساسة، ويزج بهم في غياهب السجون.
ميانمار تشكل إحدى تلك الحالات. صحيح أن الحكم العسكري ساد فيها طوال عقود طالت ما بين عام 1962 وسنة 2011، إلا أن انقلاب الجيش بقيادة الجنرال أونغ هلاينغ على حكومة منتخبة برئاسة أونغ سان سو تشي، فاجأ كثيرين. لماذا؟ الأرجح أن السبب الرئيسي يكمن في اعتقاد قيادات التيار الليبرالي عموماً، وأنصار الحريات الديمقراطية خصوصاً، أن عهود الانقلابات العسكرية قد انتهت إلى غير رجعة، حتى في الدول التي تصنف في قائمة «العالم الثالث». واقع ما تشهده ميانمار، منذ وقوع الانقلاب، يقول إن ذلك التصور يسانده، بالفعل، رد الفعل الفوري من قِبل أغلب المواطنين ضد إطاحة الجنرال هلاينغ الحكم المدني. لفت نظر المراقبين، وكذلك مختلف وسائل الإعلام على امتداد العالم، أن شابات وشبان بورما (كما تُعرف ميانمار) سارعوا بدورهم إلى احتلال شوارع معظم المدن، ولم يترددوا في مواجهة عنف القوات المسلحة ضدهم، مطالبين ليس فقط برجوع الضباط إلى ثكناتهم، وإنما كذلك بإطلاق سراح السياسيين كافة، وفي مقدمهم أونغ سان سو تشي، زعيمة حزب «الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية»، الرابح في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2020.
بالتأكيد، شجاعة المتظاهرين ضد انقلاب ميانمار جديرة بالإكبار، وهي مؤشر عملي يوضح أهمية التصور القائل إن عهود الانقلابات العسكرية قد ولت، لكن هذا لن يكفي لإثبات إمكانية تطبيق تلك المقولة بلا أي عقبات. صحيح أن قبول شعوب دول «العالم الثالث» بتدخل الجيوش في العمل السياسي، لم يعد سهلاً. لكن، في المقابل، فشل الشرائح السياسية، وخصوصاً الطبقات القيادية منها، في كيفية التعاطي مع عدد من جوانب إدارة المجتمع، سوف يوفر، دائماً، المبرر الكافي لإقناع قطاعات معتبرة من الناس بمقولة تقابل التصور الرافض لإقحام العسكر رأيهم، أو فرض أدوارهم عند أي تطبيق لأي سياسات على الأرض. خلاصة تلك المقولة تعبر عنها بضع كلمات، مثل؛ ليس هذا وقت التغني بالديمقراطية، نعم إنها على رأس قائمة المهم، إنما الآن تحديداً، هناك أيضاً الأهم منها. إذ ذاك، سوف ينقلب المأزق على رؤوس رافضي منطق الانقلاب العسكري، إذ يرون واقعاً يختلف عما يدور في أدمغتهم.
رغم ما سبق، يجب أن تظل جرأة أهل ميانمار في التصدي للانقلاب العسكري على حكومتهم المنتخبة موضع إكبار، عن جدارة واستحقاق. كذلك يجب إكبار أن تطلق معظم دول العالم صيحة استنكار ضد عنف الجيش في التعامل مع المتظاهرين احتجاجاً على الانقلاب. ذلك كله، لن يُلغي، بالطبع، ولن يُنسي المجتمع الدولي ككل، حقيقة أن السيدة سو تشي، خيبت ظن الجميع، في العالم كله، تقريباً، بسوء تعاملها مع الروهينغا، مسلمي بلدها الذين صدمت معظم أتباع كل الديانات وحشية تصرفاتها ضدهم، لدرجة استخدامها للجيش ذاته في التنكيل بهم، وتشتيت شملهم داخل ميانمار وخارجها، وتهجير بعضهم إلى دول جوار، مثل بنغلاديش. كل هذا موثق ضد السيدة تشي، ولن يمكنها التهرب من تبعاته، سواء بقيت سجينة الجنرال المنقلب ضدها، أو أعادها رافضو الانقلاب إلى الحكم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ميانمار جديرة بالإكبار ميانمار جديرة بالإكبار



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان
  مصر اليوم - مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 00:03 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

نيقولا معوض بطل كليب تركي دويتو مع إيلين ييليز
  مصر اليوم - نيقولا معوض بطل كليب تركي دويتو مع إيلين ييليز

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 16:22 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

جماهير تطلب فتح المدرج الشرقي في مواجهة بوركينا

GMT 11:58 2024 الخميس ,06 حزيران / يونيو

أفضل فساتين الخطوبة للمحجبات

GMT 00:10 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5 درجات يضرب ألاسكا الأميركية

GMT 08:42 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير شئون «النواب» يناقش تطورات مجال حقوق الانسان في مصر

GMT 12:54 2019 الأربعاء ,04 أيلول / سبتمبر

الفنانة يارا تفاجئ جمهورها علي تطبيق "سناب شات

GMT 03:31 2019 السبت ,29 حزيران / يونيو

فيل يبتكر طريقة ذكية ليتناول طعامه من فوق شجرة

GMT 13:03 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

فولكس فاجن تكشف عن أسعار أيقونتها Passat موديل 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon