توقيت القاهرة المحلي 06:14:25 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لاءات تجاوزتها سنوات

  مصر اليوم -

لاءات تجاوزتها سنوات

بقلم - بكر عويضة

بين مؤتمر القمة العربية في الخرطوم (29 - 8 - 1967) وبين هذا اليوم، سنوات تتجاوز نصف القرن. كما هو ثابت وموّثق، منذ استئناف قمم الزعماء العرب بالقاهرة (13 - 1 - 1964) بعد توقف أعقب انتهاء قمة بيروت (13 - 11 - 1956)، بقيت فلسطين البند الأول، من حيث الأهمية. وهي لم تزل كذلك، رغم تراجع أولويتها أمام تدافع ما استجد من أولويات على غير صعيد عربي وآخر دولي، خلال العقود الثلاثة الماضية، وتحديداً منذ صعود ما عُرف بالمد الخميني، ثم اشتعال أوار «قادسية صدام»، وتابعتها «أم المعارك». مجرد ذكر الاسمين، يدفع على الفور إلى سطح الذاكرة التاريخية، أن كلاً منهما، صدام حسين والخميني، تنافسا، مع غيرهما ممن انتهجوا نهجيهما، لجهة أي منهم يعطي قدسية تحرير القدس أولوية أولى في خطابه السياسي. يعرف كل ذي علم محدود بوقائع ما تبع هزيمة معارك الستة أيام الكارثية، أن الاسم الذي أعطي يومذاك لاجتماع الزعماء العرب في العاصمة السودانية كان «قمة اللاءات الثلاث». افترض صُنّاع التجييش العاطفي للشعوب أن رفع ثلاث لاءات في مواجهة اجتياح جيش إسرائيل حدود ثلاث دول عربية، ونجاح «الكيان الهزيل» - وفق تعابير إعلام ذلك الزمن - في احتلال أراضٍ شاسعة حجماً، ومتنوعة مناخياً، ومعتبرة استراتيجياً، تقع ضمن سيادة كل من مصر، وسوريا، والأردن، كافٍ لامتصاص صدمة أسوأ الهزائم العربية، حتى أنها أُعطيت، بحق، صفة «النكبة الثانية»، إلحاقاً بسابقتها، نكبة حرب 1948 المنتهية بهزيمة جيوش عربية وضياع فلسطين.
إثر تلك الهزيمة النكراء صعد تيار افترض أن احتلال الأرض ليس هو المشكل، إذ يظل «الصمود» في المواجهة و«التصدي» لوجود إسرائيل ذاته هما الأهم، ما دام أن نُظم ذلك النهج بقيت قائمة. كل من سبح ضمن ذلك التيار الجارف اعتبر أن أي تحليل موضوعي لأسباب الهزيمة، أو كلام عقلاني بشأن مستقبل التعامل مع ما تقرر على أرض الواقع، إنما يعبّر عن ضعف واستسلام لإرادة المُحتل. أقنع المنتمون لذلك التيار أنفسهم، وكنتُ بينهم، أن تجنب ذلك الهوان، يوجب أن يكون الرد هو لاءات قمة الخرطوم الثلاث: «لا سلام مع إسرائيل، لا اعتراف بإسرائيل، لا مفاوضات معها». اللافت أني، بعدما شاب شعر الرأس وانحسر شباب العمر، فبدأت التفكير من منظور مختلف، انتبهت أولاً إلى خطأ منطقي في ترتيب تلك اللاءات الثلاث. منطقياً، يبدأ المتحاربون بمفاوضات توصل لاعتراف متبادل يليه سلام شامل. الأمر معكوس تماماً، إذن، منذ بدايته.
شخصيات بارزة في ساحات العمل السياسي، ونجوم في فضاء الإعلام العربي، تزعموا تيار اللاءات الثلاث. في مقدم هؤلاء برز الصحافي - السياسي محمد حسنين هيكل. سوف أظل أستحضر الغضب الذي احتل وجه الأستاذ هيكل إذ أبدأ حواراً معه لمجلة «التضامن» في جناحه الفاخر بفندق «كلاريدجز» اللندني، بسؤاله عن الهزيمة، فإذا به ينتفض متسائلاً: أتعتبرها هزيمة؟ أجبت: نعم هي كذلك، وإلا ماذا تكون؟ أجاب سيد مقال الجمعة الأسبوعي «بصراحة» لم تخل من تنميق يبدّل الحقائق: كلا، ما حصل ليس سوى «نكسة». ذلك التبديل في مسميات ما يحصل على أرض الواقع العربي، لم يزل صاحب دور فاعل في التلاعب بعقول جماهير يعجب شرائح معتبرة بينها أن ترى في المرآة ما تتمنى، وليس ما تعكس الوقائع من حقائق. مثال على ذلك السؤال التالي: لماذا ما فتئ غضب مُنّظرين في الجانب الفلسطيني، يموج في تغاضب أقرانهم العرب، كلما صدر طرح عقلاني بشأن أي حل سلمي محتمل مع إسرائيل؟ مبرر السؤال هو أن القيادة الفلسطينية المُعترف بها دولياً، تقبل السلام مع دولة إسرائيل، وتعترف بها، وجلست إلى طاولة المفاوضات معها بغية التوصل للسلام الشامل.
نعم، إسرائيل الدولة، من جانبها، باختلاف توجهات ساستها، راوغت وما التزمت بأي تقدم حقيقي على طريق السلام العادل. لكن ذلك ليس مبرراً للتجمّد أمام لاءات تجاوزتها سنوات ما بعدها. بالتأكيد، سوف يتساءل البعض: هل يعني ذلك أن أرض فلسطين المطوّبة باسم أجداد كل لاجئ أقتِلع من بيته، صارت هي أيضاً قضية تجاوزها الزمن؟ كلا، بالتأكيد. الحقوق المشروعة تبقى قائمة ما بقي الدهر، ما دام أنها لم تُؤد لأصحابها وفق موازين العدل. ذوو العقل الراجح، يعرفون ذلك، ويسلكون الطريق الأصح بقصد الوصول إليه وإن طال السفر.

نقلا عن اشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لاءات تجاوزتها سنوات لاءات تجاوزتها سنوات



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon