توقيت القاهرة المحلي 03:59:49 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بنغازي المختار بقبضة القذافي

  مصر اليوم -

بنغازي المختار بقبضة القذافي

بقلم: بكر عويضة

في مثل هذا اليوم، قبل خمسين عاماً بالتمام والكمال، كانت ليبيا تنام آخر ثلاث ليال لها كمملكة يحكمها رجل زَهِد الحكم، وكان معظم الليبيين ينادونه «سيدي إدريس». معروف أن الملك إدريس السنوسي، كان يزور تركيا عندما أُبلغ صباح أول سبتمبر (أيلول) 1969 أن الجيش أطاح حكمه. يُروى عن موقف الملك الصالح يومها ما يصلح كي يُضرب به المثل، فقد استدعى السفير الليبي لدى تركيا، وسلّم له ما بقي من مخصصات زيارته الرسمية بحكم أنه مال للدولة (تردد أن المبلغ كان في حدود عشرة آلاف دينار ليبي)، كما أمر بسحب سيارات السفارة المخصصة للزيارة. أبعد من ذلك أن الملك السنوسي قاوم رغبة كبار أعوانه، وفي مقدمهم عمر الشلحي الذي كان برفقته، بشأن مقاومة حركة الانقلاب. تفسير ذلك أن الرجل لم يقبل بأي احتمال يثير القلاقل، أو يزهق الأرواح، بين أهل ليبيا، ولذا رفض إقحام أي طرف خارجي في الأمر. ضمن هذا السياق، تصر أوساط ليبية كانت قريبة من الدوائر الملكية آنذاك، أن توجه عمر الشلحي إلى لندن لطلب تدخل بريطاني، وذلك من منطلق وجود قاعدة «العدم» الجوية بمدينة طبرق في شرق ليبيا، وبحكم وجود معاهدة دفاع مشترك بين بريطانيا وليبيا، إنما تمّ بإصرار شخصي من جانب الشلحي، وهو إجراء قوبل، على أي حال، برفض بريطاني سريع، حتى أن الاجتماع لم يستغرق سوى بضع دقائق.

في اليوم السادس عشر للانقلاب، ظهر على الناس، لأول مرة، ومن بنغازي، ضابط يُدعى معمر أبو منيار القذافي. مذ ذلك اليوم، عرف الليبيون، وغيرهم من عرب وعجم، في مختلف أنحاء العالم، أن ذلك الشاب المستشيط الغضب خطاباً، الملوّح بقبضته اليمنى أحياناً، وباليسرى تارة، هو قائد ما سوف يُسمى، من تلك اللحظة فصاعداً، «ثورة الفاتح من سبتمبر»، وقبل مضي زمن غير طويل، جرى اقتصار التسمية على «الفاتح العظيم». صادف ذلك اليوم ذكرى إعدام عمر المختار شنقاً نهار الأربعاء 16-9-1931. لماذا بنغازي دون غيرها، ولِمَ اختار القذافي ذلك اليوم تحديداً للظهور العلني، بعدما بقي اسمه سراً، وكذلك دوره؟ إجابة الشق الأول بدت واضحة من البدء، إذ كانت ثكنة الجيش في ضاحية البِركة ببنغازي نقطة انطلاق الانقلابيين. أما إجابة الشق الثاني فقيلت بشأنها إجابات عدة، وهي تكاد تجمع على أن الاختيار جرى بذكاء مقصود من جانب القذافي، إذ انطلق من حقيقة أن استشهاد «شيخ المجاهدين»، حدث أجمع الليبيون، باختلاف مناطقهم، على الاحتفاء به، عبر التاريخ، ليس لمجرد استحضار الذكرى، بل بقصد الإبقاء على دروس مقاومة المحتل الإيطالي حاضرة في العقول، فما الأفضل منها لأول ظهور علني لقائد حَدثٍ غير عادي، سوف يغيّر تاريخ ليبيا الحديث، ثم إن طموح قائد «الفاتح» يتعدى النطاق الليبي إلى إحداث تغيير ضمن الأفق العربي، فالمدار الإسلامي، وحيث وُجِد فَلَكٌ دولي يمكن تسيير فُلْك طموحات القذافي نحوه، بحراً أو براً أو جواً، وما العائق الذي سوف يحول بين «الأخ القائد»، وطموح غير محدود، ما دام أن ليبيا تجلس فوق ثروة نفطية تدر المليارات، وأين الخطأ إذا تم تبديد كم مليار منها لأجل نشر رؤى العقيد عبر حدود القارات، بقصد تعميم فكر «النظرية الثالثة»، أولاً، ثم تطبيق نظريات «كتاب أخضر» سوف يطل لاحقاً، ويبشّر باكتشاف حلول لمشكلات البشر كافة؟

غادر الملك إدريس السنوسي تركيا وحل في القاهرة، مع أهله، ضيوفاً على مصر، بكرم من جمال عبد الناصر، رئيسها آنذاك، فأمضى ختام العمر معززاً بين أهلها حتى وافاه الأجل فيها (25-5-1983) ثم ووري جثمانه الثرى في بقيع المدينة المنوّرة. أما معمر القذافي فظل وفياً لكل طموح حلم به صبياً في سِرت، ثم طالباً بمدارس سبها، كي يصبح زعيماً مُهاب الجناح، حيثما هبت رياح ثورة، من أدغال أفريقيا، إلى روابي آيرلندا، إلى تخوم أميركا اللاتينية، إلى أقاصي جنوب شرقي آسيا. أين وكيف انتهى هُوَ، ثم كيف وأين صارت ليبيا؟ الإجابة أسطع من شمس أي صحراء. يبقى أن ما بين بنغازي عمر المختار، قبل أن تقع في قبضة معمر القذافي، وبين شاب فلسطيني جاءها من شارع عمر المختار في غزة، مروراً بالقاهرة، المثخنة بجراح هزيمة 1967. حكاية تطول، وربما تُروى هنا جوانب منها في أسبوع مقبل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بنغازي المختار بقبضة القذافي بنغازي المختار بقبضة القذافي



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon