بقلم: بكر عويضة
السبت الماضي، أقدمت جماعة «الإخوان المسلمين» على خطوة تستحق المناقشة، ثم التساؤل عما إذا كانت تكفي لأن تكفَّ عن الجماعة ما تتعرض له من ملاحقات، أو مساءلات، والأهم ما إذا كانت سوف تكفيها انعكاسات ما نالها من تصنيفات في غير مكان على الأرض، وأخطرها هو إدراجها في قوائم «التنظيمات الإرهابية». الخطوة المشار إليها تمثلت في إصدار الجماعة بمصر بياناً أشار إلى «مراجعات» أجرتها، وخلصت إلى الإقرار بارتكاب «أخطاء وقعت فيها في مرحلة ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 وما تلاها، وكذلك في مرحلة توليها حكم البلاد». مبدئياً، يجب القول إن إجراء المراجعة في حد ذاته أمر مطلوب. لكن يبقى سؤال مهم يتضمن مجموعة تساؤلات، بشأن تلك «المراجعات»: ما الآتي بعد المراجعة؟ هل يجري حقاً تغيّرٌ جوهري في مضمون منهج النظرة الإخوانية إلى المجتمع المدني؟ هل تتم مراجعة موقف الجماعة من أي مخالف للفهم الإخواني للإسلام يأبى إعطاء الجماعة نفسها مرجعية تحديد مَنْ هو المسلم؟ ومن ثَمَّ هل تنتهي «المراجعات» إلى التسليم بضرورة تغيير نهج التعامل مع الدولة، سواء في مصر أو بغيرها؟
يقتضي منطق الإنصاف القول إن الإجابة عن تلك التساؤلات تتجاوز نطاق فرع الجماعة في مصر، أو أي بلد آخر، لأنها تخص في الواقع الإطار الأوسع، أي «التنظيم الدولي لـ(الإخوان) المسلمين». لستُ أظن أنني آتٍ بجديد إذا قلتُ إن العقول التي تفكّر للجماعة، وتضع لها نصوص تطبيق ما تصل إليه من أفكار، هي التي لديها مربط القرار المتحكم في نشاط أفرع الجماعة حيثما وجدت، يسندها في ذلك تحكمها في كيفية الإنفاق من «بيوت مال الجماعة»، وطبيعة العلاقات القائمة، أو التحالفات، الإقليمية والدولية، مع مصادر التمويل. تُرى هل يمكن لتلك العقول أن تَرى أنه حان وقت وضع مبدأ «دعاة لا قضاة»، كما قال به المستشار حسن الهضيبي، قبل اثنين وخمسين عاماً (1977)، موضع تطبيق فعلي، يحكم العلاقة بين الجماعة وسائر الناس، على أساس أن الخالق هُو وحده، سبحانه، الأدرى بما في صدور الخلق، وبالتالي فإن على المسلم أن يلتزم بأمر رباني ينهى أن يزكي أحدٌ نفسه في الدين على أحدٍ؟
نعم، مطلوب أن تُجري جماعة «الإخوان المسلمين» أكثر من مراجعة، لكن الأرجح أن كل «المراجعات» لن تفيد في إحداث أي تغير جوهري على المنهج ذاته، ما لم يجرِ نبذ كل تراث سيد قطب القائم على نهج العنف والإرهاب. والمقصود بالنبذ هنا هو اتخاذ خطوة شجاعة بالإقدام على حل التنظيمات المسلحة كافة، التي تتبع التنظيم الدولي للجماعة، وتسليم كل ما لديها من أسلحة للمؤسسات العسكرية بالدول الموجودة فيها. بلا خطوات كهذه، ليس ممكناً أن تؤدي «مراجعات» الجماعة إلى إعادة رسم دورها السياسي، إذا كانت ستظل مصرة على لعب مثل ذلك الدور.
سوف يسأل، على الأرجح، سائلٌ ما إذا كنتُ أعني بكل التنظيمات المسلحة حتى تلك التي تقاوم ما بقي من وجود للمحتل الإسرائيلي بقطاع غزة والضفة الغربية، مثل حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»؟ ليس من المنطق الرد «نعم» أو «لا» على سؤال مهم كهذا ببضعة أسطر. لن ينصف اختصار كهذا الموضوع ذاته. إنما يمكن القول إن قيادات الحركتين مطالبة هي أيضاً بإجراء أكثر من مراجعة قبل فوات كامل الأوان، بعدما فات منه الكثير. يكفي أن تدرك عقول الحركتين أهمية القبول بأن ضرورات تدارك الزمن، والاقتناع بأن مجاهدة مصالح الذات بقصد التوصل إلى صلح حقيقي مع حركة «فتح» - وقياداتها مطالبة كذلك بالمجاهدة ذاتها - توجب إزاحة كل محظورات تعرقل تعافي الجسم الفلسطيني من علل شتى أصيب بها جراء انقسام زعاماته على أنفسها. لقد سبق للدكتور غازي حمد، القيادي الكبير في «حماس» أن طالب بمثل تلك المراجعة، في مقال مهم له وجريء نُشر يوم 30 - 7 - 2018 على موقع «نبض الوطن»، وحمل العنوان التالي: «حلم الدولة فيلم هندي وأصحاب السلاح لم يتجاوزوا التهديد التكتيكي». لن أتفق بالضرورة مع دكتور غازي حمد في إعطاء حلم الدولة الفلسطينية صفة «فيلم هندي»، كلا، خصوصاً أن الرجل مفكر جاد وما هو بهزلي، ولا حلم الاستقلال الفلسطيني. إنما يظل أن المقال طالب بمراجعة، فهل حصلت؟ وخُتِم بسؤال واضح: «هل نعمل بطريقة صحيحة؟»، فهل توفرت الإجابة؟