توقيت القاهرة المحلي 02:46:37 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ملايين يونيو الحزين

  مصر اليوم -

ملايين يونيو الحزين

بقلم:بكر عويضة

عشت اللحظة. كنت هناك. مئات آلاف العيون تنتحب حولي. أمواج بشر تتدافع، موجة تدفع السابقة لها. تخيلت أن الثانية تريد اللحاق بالأولى. أخطأت. كلا، إنها تصر أن تسبقها. حتى مساء 9 يونيو (حزيران) 1967 لم يساورني ريب أنني سوف أعود إلى قطاع غزة عن طريق حيفا، أو يافا. ستحملني باخرة من الإسكندرية إلى ميناء فلسطيني تحرر من مُحتل إسرائيلي اغتصب وطني. كان ذلك قراري المشترك مع خليل، صديق الصبا، الطالب المُجِّد في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، الذي كان دائم التحذير لي من نتائج عدم انتظامي في دوام كلية التجارة، بسبب انشغالي أغلب الوقت في اجتماعات اللجنة التنفيذية للاتحاد العام لطلاب فلسطين، إلى جانب طلاب محترفين للعمل السياسي، مثل تيسير قبعة، وشريف الحسيني، وحسين أبو النمل، وغيرهم. الثامنة مساء ذلك اليوم ذاته، انهار كل شيء. بين تصديق ما كنا نسمع، لأن الذي كان يخبرنا بحقيقة ما وقع من فواجع الهزيمة، هو جمال عبد الناصر نفسه، لا أحد غيره، وبين استفظاع ما حصل، دوّى في الغرفة صمتٌ يصيب بالصمم.
تبادلنا نظرات حائرة، لكنها كانت تصدع بسؤال مرعب؛ هل حقاً ضاع كل شيء؟ أفقنا على ضجيج هتافات تخترق الفضاء خارج غرف المدينة الجامعية؛ حيث كنا نسكن. سارعنا نلتحق بالمسيرات. بقينا حتى الهزيع الأخير من ليل التاسع على جسر روضة المَنيّل، غير قادرين على الوصول أبعد منه بفعل التزاحم الشديد. أطل صبح العاشر، يوم ذروة الغضب المصري المُصِرّ على استمرار جمال عبد الناصر رئيساً، رغم أن الرجل أصر على تحمل عبء كامل مسؤولية الهزيمة، واحتلال جيش إسرائيل كل سيناء، وكل قطاع غزة.
هل حقاً خرج المصريون بأعداد بلغت ملايين الناس، ما بين ليل التاسع، وطوال يوم العاشر من شهر يونيو 1967 الحزين، ترفض تنحي جمال عبد الناصر؟ نعم حصل. ونعم، تكرر المشهد في عواصم ومدن عربية عدة أيضاً. لكن، لماذا السؤال الآن؟ باختصار، لأن خصوم ناصر؛ خصوصاً داخل مصر ذاتها، الذين لم يرُق لهم إصرار الأغلبية على بقاء عبد الناصر في الحكم، كي يتحمل مسؤولية إعادة بناء الجيش، واسترجاع ما احتُل من الأرض، مثلما أقر أنه المسؤول عن الهزيمة، هذا الفريق، ومن سار على النهج ذاته، يواصل إلى اليوم، بعد نصف قرن و3 أعوام، ترديد الزعم أن أجهزة النظام، وتحديداً الاتحاد الاشتراكي، هي من ساق الناس سوقاً، وفرض عليهم الخروج، رغم إرادتهم، بعدما ملأت بهم شاحنات تتبع القوات المسلحة، وحملتهم إلى القصر الجمهوري بضاحية القبّة، لأجل فرض بقاء ناصر زعيماً. تلك محض مزاعم، ليس من دليل يوثق صدقيتها. الغرض الأساس منها هو استمرار الاغتيال السياسي لزعيم لم يعد حياً، ولم يبق من نهج حكمه شيء أصلاً، فلِم الإصرار على توجيه طعنات تشكيك في فصل أساسي من فصول زعامته، رغم أنه تحمّل المسؤولية كلها بشجاعة تُسجل له؟ أتفق هنا مع منطق الواقع، كما عبّر عنه مقال للدكتور مأمون فندي - «الشرق الأوسط»، عدد الاثنين 8-6-2020 - القائل إن تحميل عبد الناصر وحده كامل مسؤولية هزيمة 1967 ليس موضوعياً. قول منصف تماماً.
في المقابل، يثير الاستغراب إصرار جناح ناصري متشدد على رفض الإقرار بوقوع هزيمة أساساً، والزعم أن ما جرى كان مجرد «نكسة». ردد أنصار هذا الفريق، منذ مسيرات الملايين يومي 9 و10 يونيو، القول إن مصر سوف تنهض من جديد، ما دام أن النظام الثوري مستمر، حتى لو استمر احتلال الأرض عشرات السنين. كلا، الأسطع من أي إنكار هو أن هزيمة نكراء وقعت في وضح النهار، ولم تزل مصر تتجرع بعضاً من مرارات جوانب عدة ترتبت عليها، فيما يعاني العالم العربي؛ خصوصاً في فلسطين، انعكاسات ما بقي من آثارها. في طريق عودتنا إلى السكن الجامعي من مسيرات رفض التنحي، جلسنا، خليل وأنا، عند حافة تمثال «نهضة مصر»، للفنان محمود مختار، النحات المصري الكبير، ذي الحضور العالمي، تبادلنا بضع نظرات مبللة بدمع كان ينبع من قلب موجوع. سلّمنا بواقع يقول إن العودة إلى قطاع غزة المحتل، حتى عن طريق سيناء، ثم معبر رفح، باتت صعبة أيضاً. كم هو مؤلم أنها، بعد 53 عاماً، لم تزل كذلك!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ملايين يونيو الحزين ملايين يونيو الحزين



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon