توقيت القاهرة المحلي 04:31:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فلسطين في قلب السودان

  مصر اليوم -

فلسطين في قلب السودان

بقلم:بكر عويضة

يكاد العَلم السوداني يتطابق تماماً مع الفلسطيني من حيث التصميم والألوان، لولا أن الفارق يتضح عند تدقيق النظر في مكان كل لون. سودانياً، يحل الأخضر في المثلث محل الأحمر بعلم فلسطين. أيضاً، يتغير موضع اللون الأسود. فبينما هو أعلى مستطيل العلم الفلسطيني ينزل إلى الأسفل بالتصميم السوداني. أما الأبيض فيبقى متوسطاً تصميم العلمين. هل ثمة ما يغري بشيء من التأمل؟ نعم. اللون الأبيض، كما يعلم الناس كافة، هو رمز السلام بين شعوب العالم قاطبة، ولذا تُطلق الحمامة البيضاء على شكل أسراب كي تعانق السماء، كلما احتُفل بحلول سلام ما في ختام حرب التهمت الكثير من أرواح شعبين، أو أكثر، طوال سنين صراع طال أمدها حتى خُيّل للبشر أنها قدر مكتوب بلا نهاية تلوح في الأفق.
لكن ما يجمع فلسطين، الأرض والشعب، بالسودان، الناس والوطن، ليس مجرد صدفة التوافق - إنْ هي صدفة - في تصميم العلمين وتطابق الألوان. كلا، بالتأكيد، الأمر أعمق من ذلك بكثير. هل من ضرورة تستوجب إعادة التذكير بقائمة تطول من قواسم مشتركة تربط الشعبين؟ سوف يبدو ذلك نوعاً من الاستخفاف بذكاء عقول القراء، إذ مَن ذا الذي، يجهل تلك الروابط، ليس في أوساط السودانيين أو الفلسطينيين فقط، إنما بين العرب أجمعين، لأنها في واقع الأمر عوامل ليست تجمع شعبي البلدين فحسب، بل تلتقي حول معظمها شعوب العالم العربي عموماً. هل يكفي هذا التذكير كي يحول دون استغلال أي فرصة تلوح في الأفق لبدء محاولات التجريح، أو حتى نسف العلاقات بين شعبي السودان وفلسطين؟
باختصار، وبكل أسف، لن يكفي. لماذا؟ لأن محترفي خلط الجائز في ممارسات العمل السياسي، بغير القابل لأي تصرف عندما تتعلق المسائل بالحقوق، سوف يسارعون إلى توظيف تطور الموقف السوداني، على الصعيد الرسمي، بشأن العلاقة مع إسرائيل، بهدف دق إسفين في علاقة تستند إلى جذور ذات تاريخ طويل تربط شعبي السودان وفلسطين. في هذا السياق، الأرجح أنه قبل ظهور هذا المقال على صفحات «الشرق الأوسط» اليوم، جرى على مواقع إنترنت، وربما في بعض الصحف، نشر أكوام من مقالات يزعق كتّابها بصراخ استنكار إقدام سلطات الخرطوم على فتح الأجواء السودانية أمام طائرات إسرائيل التجارية، بدءاً من أول من أمس.
انطلاقاً من مبدأ أن الفضاء يتسع لكل الآراء، يجب الإقرار بحق كل معترض على أي تقارب رسمي بين أي بلد عربي وتل أبيب، في أن يعرض وجهة النظر المعارضة التي يؤمن بها على الملأ، وأن يدافع عن الأوجه التي تبررها. إنما، في الإطار ذاته، حري بحاملي لواء الاعتراض أيضاً تقبّل وجهات النظر الشارحة دوافع توجهات بعض العواصم العربية فيما يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل، أو حتى مجرد التواصل بين مسؤولين عرب ونظرائهم الإسرائيليين، والتي، بالطبع، سوف تدفع عن القائمين بها ما يسارع إليه معترضون كُثر من تهم «تخوين»، أو «تفريط» في الحقوق الفلسطينية، استناداً إلى أن أي إجراء من ذلك القبيل، هو اندفاع على طريق «تطبيع» العلاقة مع إسرائيل.
كلا، ليس ضرورياً أن يُعد كل لقاء يجري بين مسؤول عربي مع نظيره الإسرائيلي تفريطاً في الحق الفلسطيني. لماذا مثل هذا الاستخفاف بالإحساس الوطني لدى الآخرين، لمجرد أنهم مختلفون في تقييم ضرورات تقتضيها مصالح بلادهم؟ هل أن إقدام قيادة منظمة التحرير الفلسطينية على خوض غمار محاولة تحقيق سلام مع إسرائيل، بما تتطلبه من اعتراف، فتفاوض، ثم الصلح، قلل من وطنيتها؟ صحيح أن هناك من قالوا، وسيقولون: نعم. لكن ذلك القول لم يحُل دون انطلاق عملية سلام، كان ممكناً أن تؤتي ثمارها لصالح الشعبين والمنطقة، لولا أن تل أبيب أصرت على الحيلولة دون ذلك. الآن، سوف يسارع البعض إلى التذكير أن الخرطوم شهدت ميلاد «اللاءات الثلاث» الشهيرة: «لا صلح، ولا اعتراف، ولا تفاوض مع إسرائيل»، رداً على هزيمة 1967، فما الذي حصل؟ حسناً، ذلك زمان كانت له ضروراته. بالتأكيد، تلك لاءات بدت صحيحة تماماً آنذاك. هذا زمن مختلف كلياً. لكن الذي لن يتغير هو أن فلسطين تبقى في قلب السودان، الناس والبلد، بصرف النظر عن عبور طيران إسرائيل التجاري الأجواء السودانية. الجذر الفلسطيني المغروس في عمق التراب السوداني لن يتبدد في الفضاء، أبداً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فلسطين في قلب السودان فلسطين في قلب السودان



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon