بقلم: بكر عويضة
بدءاً، المنطق الموضوعي يوجب التسليم للرافضين انعقاد «ورشة السلام من أجل الازدهار»، بكامل حقهم في الرفض. ثم، استطراداً، يجب ألا يُساء فهم الموقف المعارض من منطلق رغبة في التصادم مع البحرين، التي لها، دولةً وشعباً، مكانتها عند الفلسطينيين عموماً. إنما، من الجائز توجيه تساؤلين؛ أولهما لأصحاب فكرة «الورشة» ذاتها، عن معنى تقديم الحل الاقتصادي للمأساة الفلسطينية على مشروعية، بل ضرورة، الوصول أولاً للحل السياسي العادل، الذي هو بدوره، المفتاح الأصل للسلام الشامل. ثاني التساؤلين موجه للطرفين، أهل الفكرة أولاً، ومعارضيها ثانياً: تُرى هل المشكلة هي انعقاد ورشة عمل، سواء بالمنامة أو في غيرها، أم أنها أعمق بكثير؟ المسألة بغير حاجة إلى عبقرية للاتفاق على أن أي حل يتلاعب بحق الفلسطينيين في العيش ضمن دولة ذات استقلال حقيقي، مُعترف به فعلاً، وليس قولاً فقط، وبلا أي شرط مُسبق يكبّل ذلك الحق بسلاسل من شروط تعجيزية، تنتقص من إرادة الفلسطيني، وتخل بآدميته في كل ما يخص حقوقه في حرية التنقل، والعيش اليومي الكريم، لن يُكتب له النجاح، ومن ثم يصبح اجترار الحديث عنه مجرد عبث لا طائل من ورائه.
بالمقابل، مطلوب أن يتفهم الرافضون أيضاً أن التئام «الورشة» - لست أفهم سر إعطاء هذه التسمية للقاء اقتصادي - سياسي بهذه الأهمية - ليس يعني الإنهاء التام لمحاولة التوصل للسلام الشامل. لهذا يظل من غير المفهوم، مسارعة ساسة فلسطينيين إلى التصريح بكلام يجرح أكثر مما يداوي، سواء فيما يتعلق بورشة المنامة، أو أي تجمع عربي، أو دولي، تُطرح فيه رؤى لحلول يُخيّل لأصحابها أن بعض أمل ربما يتمخض عنها. الواقع أن المُشكل ليس في اختلاف الرؤى. بل، ربما لو أحسنت أطراف أي صراع، بأي مكان على الأرض، وبصرف النظر عن الأسباب، توظيف تضارب مواقفها بغرض الاتفاق على ما يجمعها، وإرجاء حسم ما يسبب إطالة أمد الحروب، ومعاناة الشعوب من استمرار ويلاتها، لربما أمكن تطويق وإنهاء كل ما يتسبب بانفجار أي حرب في أرجاء الكوكب كافة، بأسرع مما يتوقع كثيرون.
إنما، يتفرع عما سبق تساؤل مقلق: تُرى، هل حقاً يرغب سياسيون كثر يمسكون بزمام ملفات معظم أزمات العالم، في التوصل لإنهاء تلك الأزمات؟ فيما يتعلق بملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، بات الشك هو الممسك بخُناق أكثر الناس على ضفتي الشعبين، رغم تباين المستوى، بالطبع، ذلك أن المسافة تطول ما بين آلام الفلسطينيين، وجروحهم النازفة منذ واحد وسبعين عاماً، وبين قلق الإسرائيليين ومخاوفهم إزاء ضمان مستقبل أمنهم. من جانبها، لم تعِن إدارة الرئيس دونالد ترمب نفسها، ولا أعانت حلفاءها في المنطقة، على تعزيز الثقة في صدقية جهودها بشأن إرساء أسس سلام في المنطقة تجيز القول إنها بالفعل جهود أصدق من محاولات سابقيها من الإدارات الأميركية. مثلاً، كيف يمكن إقناع الفلسطينيين، والعرب عموماً، أن إغلاق السفارة الفلسطينية في واشنطن يسّهل طريق التعامل بين البيت الأبيض وقيادة الشعب الفلسطيني المُعترف بها دولياً؟ أعمق من ذلك، وأهم، بل أخطر، أنّى للمنطق، بشكل مطلق، وليس فلسطينياً وعربياً وإسلامياً فحسب، أن يرى في تسرّع الاعتراف الأميركي بالقدس «عاصمة أبدية موحدة» لدولة يريدها زعماء اليمين الإسرائيلي المتطرف دولة لليهود وحدهم، ما من شأنه تسريع التوصل لسلام عادل؟
لقد أقر السيد جاريد كوشنر - الذي يُقال إنه مبتكر ثم مدير ما يُسمى «صفقة القرن» - بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة. مشكور. لكنه سارع للتشكيك في قدرتهم على ممارسة الحكم. كلا، ليس له ذلك. الفلسطينيون، رغم كل مشكلاتهم فيما بينهم، يبقون هم الأقدر على تصوّر كيف يحكمون أنفسهم. أخيراً، بصرف النظر عن مآل ورشة المنامة، يبقى القول إنها ليست أول المطاف، ولا آخره، ولا انعقادها، بمن حضر، أو مقاطعتها، هما المشكل، بل هو في إهدار وقت أكثر بلا أي تقدم يُذكر على طريق السلام الحق، غير المشروط بكل ما يحول دون الوصول إليه أصلاً. تلك ستظل هي المحصلة، وما دام أن البوصلة ضائعة، فلا فائدة تُرجى من خرائط طرق تؤدي إلى مزيد من سنوات التيه لكل أطراف مأساة لا يبدو أن أحداً بين ورثة الذين صنعوها، أساساً، يريد لها، حقاً، أن تنتهي، وفق أسس عدل وسلام شامل.