توقيت القاهرة المحلي 07:00:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

محرقة بنسلفانيا وشعلة غزة

  مصر اليوم -

محرقة بنسلفانيا وشعلة غزة

بقلم : بكر عويضة

ليس من قبيل المبالغة، في تقديري، إعطاء جريمة سفك دماء مُصلين داخل كنيس يهودي بعد ظهر السبت الماضي، بمدينة بيتسبرغ في ولاية بنسلفانيا، وصف «محرقة». روبرت باوزر، العنصري القاتل، لم يَخَفْ الجهرَ بنازيته، فلم يُخفِ رغبته الكريهة بقتل اليهود. أدى جرمه إلى مقتل أحد عشر متعبداً في يوم عبادة، وفق الديانة اليهودية. في السياق ذاته، من الصعب، أمام جُرم فظيع كهذا، ألا يقفز من قاع الذاكرة، مشهد باروخ غولدشتاين، الإرهابي المستوطن مدينة الخليل الفلسطينية، إذ يدنس الحرم الإبراهيمي ويداهم مصلين أثناء أدائهم صلاة فجر الجمعة، منتصف رمضان العام الهجري 1414، الموافق 25/ 2/ 1994، فيرتكب مجزرة تزهق أرواح تسعة وعشرين مسلماً. كلٌ منهما، باوزر وغولدشتاين، تجاوز الشرائع السماوية كافة، والأعراف الإنسانية كلها، وإذ ذاك، ليس من مبالغة في القول إنهما لا ينتميان لأي شرع سماوي، فما من خلافٍ حوله، وفق مختلف الثقافات والعقائد، هو أن الخالق عز وجل، كرّم النفس البشرية، التي خلقها، وأجَلَّ مكانتها بأن حرّم إزهاقها، وأمر عباده أجمعين بتهذيبها من نوازع الشر، وتعزيز تقواها بأن تزرع الخير، حيث وُجِدت، وحتى يرث الله الأرض وما عليها.

في مشهد مناقض لسموم كارهي الحياة وزراع الموت، لفتني تحقيق لمجلة «تايم» الأميركية الأسبوع قبل الماضي، عن الجيل الجديد من القيادات الشابة حول العالم (عدد 22/ 10/ 18). ضمن التحقيق، شد انتباهي تقرير عن قطاع غزة كتبته (Clara Nugent) تناول نشاط الشابتين (Rasha Abu Safieh) و(Bassma Ali) - أكتب الأسماء كما أوردتها المجلة. أنشأت الشاباتان موقعَ إنترنت مختصاً بوصل الشباب المتخصص في علوم التقنية الإنترنتية، مع سوق الوظائف في هذا المجال حول العالم، بهدف توفير فرص عمل لهم ولهن. يكفي التأمل في عبقرية الخيال المبدع لدى كل من بسمة ورشا، لكي يسجل المرء كثير احترام وتقدير لجهدهما، الذي يضيء شعلة أمل في مواجهة موت بطيء يتسبب به حصار ظالم مفروض على أهل قطاع غزة. رشا وبسمة متخصصتان في علوم الكومبيوتر، وبعد معاناة مع عدم توفر عمل لهما في مجالهما، ابتكرتا فكرة تأسيس وإطلاق موقع (GGateway) الذي أصبح بوابة تفتح أبواب العمل أمام شباب غزة مع شركات عالمية، ونجح حتى الآن في توفير ستمائة وعشرين وظيفة لشبان وشابات من القطاع.

يُسجل لكل من رشا وبسمة أنهما نجحتا في تطوير موقعهما لكي يحتل موقعاً بارزاً في الإقليم عموماً، وليس في غزة وحدها. شكراً للبنك الدولي، إذ دعم الموقع، في مايو (أيار) الماضي - وفق تقرير «تايم» - بثلاثة ملايين دولار. توقفت أمام هذا الدعم قليلاً، ثم تساءلت، تُرى لو أن فكرة موقع إنترنتي كهذا، أو فكرة مشابهة، عُرضت على متمول فلسطيني يملك إمكانية دعمها مالياً، كيف سيتعامل معها؟ الأرجح أن أول رد فعل سوف يكون السؤال: كيف سيتم رد رأس المال المُستَثمر، وما مقدار الربح الذي سيعود عليَّ؟ بالطبع، كما قيل دائماً، رأس المال الفردي جبان، همّه الأول ما يدخُل جيب صاحبه، وليس ما يُدخِل من فرح في قلوب الناس.

بعد قراءة تقرير «تايم» تذكرت أن المجلة ذاتها، نشرت في تحقيق مماثل لها مطلع تسعينات القرن السابق، نبذة عن شخصية من غزة أيضاً، عدّها التحقيق، آنذاك، ضمن قيادات المستقبل الفلسطيني، خصوصاً أن المعني كان أحد أبرز قادة الانتفاضة الأولى (1989). بالفعل، تسلم القيادي مواقع قيادية مهمة حتى أطاحت «حماس» حكم ضرتها «فتح» في القطاع، وانتهى الأمر بالقيادي نفسه إلى التنافس في ميدان «البزنس» ودنيا الأعمال، إنما من المنفى، وبلا تخلٍ تام عن الطموح السياسي. تلك هي الأيام، تُداوَل بين الناس، إنما تبقى ثروة الدول وأملها، في الشباب. يصح هذا في فلسطين، وفي كل مكان.

أختم بما بدأت. شتان ما بين إجرام كل من روبرت باوزر في بنسلفانيا، وقبله باروخ غولدشتاين في الخليل، وإبداع الشابتين بسمة ورشا في قطاع غزة. الأول سلوك ناتج عن منهج عنصري بغيض يريد إطفاء نور الحياة في الروح البشرية. الثاني وميض شعلة أمل يُبهج نفسَ كل متطلع لغدٍ أفضل، إذ يفتح أبواب المستقبل أمام أجيال الشباب. نعم، ما أوسع المسافة بين صفاء إنسانية الحب بين بني آدم وحواء، وعنصرية البغضاء وأحقاد الكراهية.

نقلًا عن الشرق الآوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محرقة بنسلفانيا وشعلة غزة محرقة بنسلفانيا وشعلة غزة



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني
  مصر اليوم - مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 00:03 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

نيقولا معوض بطل كليب تركي دويتو مع إيلين ييليز
  مصر اليوم - نيقولا معوض بطل كليب تركي دويتو مع إيلين ييليز

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 16:22 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

جماهير تطلب فتح المدرج الشرقي في مواجهة بوركينا

GMT 11:58 2024 الخميس ,06 حزيران / يونيو

أفضل فساتين الخطوبة للمحجبات

GMT 00:10 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5 درجات يضرب ألاسكا الأميركية

GMT 08:42 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير شئون «النواب» يناقش تطورات مجال حقوق الانسان في مصر

GMT 12:54 2019 الأربعاء ,04 أيلول / سبتمبر

الفنانة يارا تفاجئ جمهورها علي تطبيق "سناب شات

GMT 03:31 2019 السبت ,29 حزيران / يونيو

فيل يبتكر طريقة ذكية ليتناول طعامه من فوق شجرة

GMT 13:03 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

فولكس فاجن تكشف عن أسعار أيقونتها Passat موديل 2020

GMT 17:41 2019 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

الفنانة مريم حسن تتعاقد على بطولة مسلسل "أبو جبل"

GMT 23:17 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

دورة تحكيم في جمباز الأيروبيك بالاتحاد الدولي للجمباز

GMT 16:26 2019 الثلاثاء ,15 كانون الثاني / يناير

دراسة تؤكّد أن الهاتف المحمول أقذر بـ7 أضعاف من مقعد المرحاض

GMT 04:58 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

هنا الزاهد تستعد لأول مسلسل مع خطيبها الفنان أحمد فهمي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon