توقيت القاهرة المحلي 05:04:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فيروس هلع في الرؤوس

  مصر اليوم -

فيروس هلع في الرؤوس

بقلم:بكر عويضة

أخائفٌ أنت أم مصاب بهلع؟ سألت جاراً لي، بعد ظهر أول من أمس، فأجاب، بلا تردد، أنه في البدء لم يشعر بخوف إطلاقاً، وإنما بقلق، لكن الخوف بدأ يتسرب ببطء مع كل نشرة أخبار تحمل أنباء تسارع انتشار الفيروس عالمياً، ثم طفق يتطور، منذ مساء الأحد الماضي، إلى إحساس بالفزع، خصوصاً بعدما صارح بوريس جونسون - الفرِح بقرب ولادة طفل له في مقر رئاسة الحكومة البريطانية - الناس باحتمال هبوب رياح «كورونا» على مختلف أنحاء المملكة المتحدة، ومن ثم ارتفاع عدد حالات الإصابة بالوباء بريطانياً. لحظة، هل استخدمت كلمة «وباء»؟ نعم. لكن هذا نوع من أخطاء التسرّع، التي يقع في شباكها كثيرون بلا تأكد من مستوى صدق ما يقولون، وأحياناً بلا أي توثيق لما يرددون على مسامع الآخرين، فإذا بهم يسهمون، ولو لم يقصدوا، في توسيع دائرة الهلع بين البشر، بكل ما يترتب عليها من انعكاسات سلبية في مجالات الحياة كافة.
واقع العالم المتأثر بالتقدم المذهل لثورة تكنولوجيا التواصل، يشير بوضوح إلى مقدار ما تسهم به وسائل إعلام هذا الزمان، في صنع الحدث حتى قبل أن يقع. دليل ذلك تسرّع متحدثين كُثر، بمختلف القارات، منذ بدأ الفيروس يظهر بعيداً عن مدينة ووهان في الصين، حيث بدأ، في استخدام وصف «EPIDEMIC»، بمعنى وباء، على الرغم من أن منظمة الصحة العالمية، عبر مديرها العام، تيدروس أدحانوم غيبريسوس، أحجمت عن إعطاء الوضع هكذا توصيف، وأبعد مدى ذهب إليه السيد غيبريسوس، حتى يوم الخميس الماضي، هو قوله: «علينا أن نركز على الاحتواء، مع القيام بكل ما هو ممكن للاستعداد لوباء عالمي محتمل»، أي أن الرجل الذي يتحدث بما يعرف، لم يغامر بالجزم، بل ترك الباب مفتوحاً أمام الاحتمال الأسوأ.
بيد أن الأخطر من انتشار استسهال الوصف الخاطئ عبر وسائل إعلام يعمل فيها محترفون ذوو خبرات معتبرة، هو وجود منصات تواصل فرضت لنفسها صفة إعلامية، فصار اسمها «السوشيال ميديا»، كما تعلمون، وربما كثيرون بينكم مستخدمون لها، إما ضمن حدود المعقول، أو بإسراف منقطع النظير، لعله يؤثر سلباً في علاقات التواصل العائلي أحياناً. على مواقع تلك المنصات، أضحى عادياً أن يتم بث الزائف من الأخبار، فيصدّقها محدودو المعلومات، أو ضيقو الفهم، أو من تقع على عاتقهم مهمة ترويجها، مع إدراكهم كذبها، فتراهم يصدقونها هم أيضاً، أي أن حالهم يصير حال حكايات جحا، عندما كان يكذب الكذبة ثم تسوّل له النفس الأمّارة بالسوء أن يصدّقها، فيفعل.
إنما أسوأ الكوارث، بين ما تبث منصات تلك «السوشيال ميديا»، يتمثل في افتراء أناسٍ العِلم على الناس، وهم يعلمون أنهم يفتقرون إلى الحد الأدنى من المعرفة في كل ما يتصدون للفتوى به. عندما بدأ مسلسل هذا الافتراء بالاستخدام السياسي، لم يول كثيرون الأمر ما يستحق. وإذ اتسع النطاق فشمل الكذب باسم الدين، تصدى عدد من أفاضل العلماء، وبذلوا جهدهم المقدّر بقصد ردع المفترين والحيلولة دون انتشار تضليلهم. لكن الواقع يقول إن هكذا افتراء لم يزل يُمارس عبر تلك المواقع، وبالتالي يقع في شِباكه بسطاء كثيرون. ها هو ادعاء إمكانية تفسير لماذا يظهر فيروس محدد، وكيف انتشر، ومن يقف وراء تسارع تمدده، يُبث هو الآخر من خلال منصات «السوشيال ميديا» ذاتها، ويجد هكذا افتراء سخيف، بين جمهور تلك المنصات، من يأخذ بمثل تلك الادعاءات.
ليس القصد هنا هو التقليل من أهمية نشر الوعي إزاء خطورة انتشار فيروس «كورونا»، وبالتالي احتمال أن يتخذ، بالفعل، بين عشية وضحاها، وضع وباء عالمي. على العكس من ذلك، التنبيه مطلوب، وضروري، وفق مبدأ «درهم وقاية خير من قنطار علاج»، وفي هذا السياق، يمكن إدراج كل الإجراءات الرسمية التي اتخذتها حكومات عدة بقصد حماية مواطنيها من الإصابة بالفيروس. إنما ثمة فرق بين زرع فيروس الهلع، في الرؤوس، بلا سبب علمي يدعم وجود خطر بالفعل، وبين الترويج لمخاطر، أو نظريات، أو مؤامرات ليس لها أي وجود في الأصل.
يبقى القول إنه في ضوء إعلان بوريس جونسون أمس أن خُمس القوى العاملة في بريطانيا معرضة للإصابة بالفيروس، يجب القول إن الهلع مبرر ولا مفر منه.
والبشر محتاجون، كما يبدو، للتذكُّر، كل بضع سنين، أو بضعة عقود، أنهم متساوون عندما يتعلق الأمر بكوارث تضرب بني الإنسان، فلا تفرّق بين مشارق ومغارب، أو جنوب وشمال، أو غني وفقير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فيروس هلع في الرؤوس فيروس هلع في الرؤوس



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon