بقلم: بكر عويضة
في سياق متصل بما انتهى إليه مقال الأسبوع الماضي، في شأن احتياج حركة «حماس» عموماً، وفي قطاع غزة خصوصاً، إلى إجراء مراجعة شاملة لمجمل المنهج الذي تعتمده، سواء في تحركها السياسي الواسع الأفق، أو في الأداء الذي تنتهج إزاء إدارتها لحكم القطاع، وهو استنتاج أشرتُ إليه استناداً إلى مقال مهم وجريء للدكتور غازي حمد، أحد أبنائها الخُلّص، وأحد قيادييها المتميزين، تضمن المطالبة بمراجعة كهذه، وخُتِم بسؤال ساطع الوضوح: «هل نعمل بطريقة صحيحة؟»، ضمن هذا السياق، وجدتني مساء يوم الجمعة الماضي أتأمل نص نبأ صاعق عن انشقاق كادر حمساوي متقدم، يُدعى صهيب حسن يوسف، زعم عبر قناة تلفزيونية إسرائيلية أن لديه معلومات عن «ملفات وقضايا فساد داخل الحركة»، ثم تطرق إلى «نمط الحياة المترفة لبعض قيادات الحركة، وتمتعهم بالأموال وإقامتهم في الفنادق».
ما يصعق في ذلك النبأ ليس مجرد ادعاء معلومات عن ملفات فساد، أو أنماط ترف في أساليب العيش اليومي لدى قيادات فلسطينية، فما ذلك العيب خاص بحركة «حماس» وحدها، بل معروف أن أغلب الحركات والأحزاب السياسية، ومن ضمنها التي تكتسب شعبيتها من خلال انتهاجها مبدأ مقاومة الاحتلال، ثم يجري التكسّب، أحياناً، سياسياً ومالياً، على حساب المبدأ النبيل ذاته، تُبتلى عادة بقيادات يستهويها بذخ الترف في الحياة اليومية فتتمادى فيه إلى حد الإسراف. تاريخ الأحزاب والحركات بشكل عام، والعربي - الفلسطيني على نحو خاص، مليء بنماذج من هذا النمط الفاسد. ما بدا صاعقاً لي، في ذلك الخبر، والأرجح لكثيرين غيري، أن المُنشق صهيب هو ثاني نجل للأب حسن يوسف، المسجون في إسرائيل، يختار هذا الطريق البشع كي يَعُق والده ويلحق به الأذى، وبأهله كافة، والفلسطينيين عموماً، بعدما أقدم على الفعل ذاته شقيق له يُدعى مصعب قبل تسع سنوات. بلا مبالغة، يمكن القول إن ما لحق بهذا الرجل الصابر والمعتقل منذ 20/ 10/ 2015، جراء بشاعة تصرف ولديه مصعب وصهيب، يظل أكثر قسوة على النفس وأشد مضاضة من أي عقوق آخر، وقد كَثُر في هذا الزمان. حقاً، للمرء أن يتساءل، إذا كان قد صَعُبَ، أو استحال على كل منهما، مصعب وصهيب حسن يوسف، الاستمرار داخل أطر حركة «حماس»، فلماذا الانشقاق عبر الالتحاق بأجهزة إسرائيل تحديداً؟ أما كان بوسع أي منهما الاكتفاء بمغادرة الحركة والبقاء بين أهليهم، أو حتى الفرار، براً أو بحراً، بلا إلحاق لكل هذا الأذى بهم أجمعين؟ أم أن الأمر كله مرتبٌ من قبل، ومن ثم ليس بعيداً عن استمرار نجاح إسرائيل في تحقيق أكثر من اختراق داخل غير فصيل فلسطيني؟
يبقى أن ما تقدم من تساؤلات يوصل إلى سؤال أهم وذي صلة بأول الكلام: تُرى هل انشقاق الشقيقين، مصعب وصهيب، وحده يعكس وجود مأزق داخل حركة «حماس» أم أن الأمر أعمق من ذلك بكثير؟ الأرجح أن الجواب بعمق أكثر من مأزق يواجه «حماس» لن يجانب المنطق، إذ من الواضح للمراقب المحايد أن الحركة تواجه مآزق عدة على غير صعيد. أولاً، هناك ما يشوب علاقة الحركة من توتر مع شرائح معتبرة من مواطني غزة، لكونها السلطة الحاكمة في القطاع. لم ينسَ كثيرون بعد، مظاهرات مارس (آذار) الماضي التي رفعت مطلب «بدنا نعيش». ثانياً، هناك مأزق التصالح مع حركة «فتح». بصرف النظر عمن المتسبب في التعطيل، يبقى استمرار الانقسام معيباً بحق الحركتين، بل هو وزرٌ سياسي سوف يشكل، ما استمر، عبئا على كاهل قيادات كل منهما. ثالثاً، هناك ما يَرْشح من كلام يُتداول بين أناس خارج غزة ويشير إلى أن العلاقات بين قيادات «حماس» ذاتها تمر بشيء من الحرج، ربما ليس بدرجة مأزق بعد، إنما الانسجام في النهج السياسي بين قادة الحركة خارج فلسطين وفي داخلها ليس على أفضل ما يُرام. رابعاً، في سياق متصل بما سبق يبرز مأزق موقف استراتيجي مطلوب من «حماس» إزاء تسارع تطورات المنطقة على نحو يتطلب فرز مواقف القوى المؤثرة ولا يترك هوامش للمراوغة والتكتيك. ربما ترتيب أولويات تلك المآزق ليس على القدر التام من الصواب، وربما بالغت في تقدير أهمية أي منها، لكن ذلك لن ينفي وجود أكثر من مأزق يواجه قيادة «حماس» ويتطلب التعامل معها بكثير من الحكمة.