بقلم: بكر عويضة
في عددها الصادر يوم الجمعة الماضي، نقلت «الشرق الأوسط» عن باسم الآغا، السفير الفلسطيني بالرياض، أن خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، قال للرئيس عباس، بالنص: «نحن معكم في كل مواقفكم، نقبل ما تقبلونه، ونرفض ما ترفضونه. لن نتزحزح قيد أنملة عن موقفنا من فلسطين؛ لأنه موقف عقيدة، ولا سبيل إلا بالشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وإنشاء دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف». كلمات تلخص مجلدات توثق مسيرة علاقة المملكة العربية السعودية بفلسطين، الأرض والقضية، فالنكبة والمأساة، ثم الشعب، سواء داخل ما تبقى من بلد اغتُصِب قهراً، أو في مخيمات اللجوء ما بعد التهجير القسري. لو جرى التمعّن فيما تحوي صفحات تلك المجلدات، مصحوباً بتنقيبٍ موضوعي دقيق، مُجرّدٍ من هوى عقائد أحزاب، وأهواء حركات، أو أجندات فصائل وتنظيمات، لتبيّن لكل ذي عقل بقلب مبصر، أن ما سمع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والوفد المرافق، خلال محادثات اليوم السابق (الخميس 17 الشهر الجاري) من العاهل السعودي، إنما هوّ تأكيد لما تؤكده ثوابت موقف سعودي يستند إلى أساس إسلامي - عروبي أصيل، لم يجنح شرقاً ولا غرباً، منذ أطل رأس الطمع الصهيوني بفلسطين وطناً يجمع شتات اليهود، ويشتت أهل الأرض الأصليين، ولم ينجح أي طرف في أن يزحزح ذلك الموقف عن الطريق الصحيح، حتى لو أن ذاك الطرف راح يلبس الثوب الفلسطيني، ادعاءً، ويزعق قائلاً إن القدس هي «العروس»، وإن المهر هو «الجهاد»، فيما الأفعال على أرض الواقع تناقض الأقوال، فتفضح زيف كل مُخادع.
يلفت نظر مَن يقرأ بتبصّر، وصف الملك سلمان بن عبد العزيز للموقف السعودي تجاه فلسطين بأنه «موقف عقيدة». منطق حاسم، مستند إلى اليقين، يقطع الطريق أمام كل تشكيك بثبات المواقف السعودية، عبر السنين، إزاء ثوابت الحق الفلسطيني. واقع الحال العربي منذ هبّت عواصف ما سُمي، زوراً، «الربيع العربي»، واتسع نطاق ما نشأ عنها من حرائق، في أغلب ديار العرب، يثبت أن نوعاً من التصدي لزوابع التشكيك في الموقف السعودي من قضية فلسطين، بات ضرورياً. في هذا السياق، ربما من المفيد تذكير من نسي، أو يتناسى، أن الرياض آثرت، في معظم الأحوال، عدم الالتفات للزعيق المناهض للحكم السعودي، أساساً، والمُتخذ قضية الشعب الفلسطيني، جسراً كي يمرر ليس فحسب العداء للسعودية، بل في حالات محددة كان، للأسف، يضمر كراهية للسعوديين ككل. جرى هذا بدءاً من مطالع ثمانينات القرن الماضي عبر صحف ومجلات، سواء كانت تقف، أو تقعد، أو تتقوقع، في معسكر اليمين أو اليسار، وكانت تُموّل من دول لم تُخفِ أنها تتطلع لتغيير كل حكم ليس من نهجها.
بيد أن إهمال ذلك كله، ترفعاً من الجانب السعودي عن الصغائر، بدا منطقياً قبل الإنترنت، وبالتالي مِن قبل أن يزدحم الفضاء الإعلامي بكل من هبّ، فزعم أنه مُنَّظِرٌ ذو باع في فهم خبايا الأمور، أو كل من دبّ فادّعى مقدرةً على التحليل السياسي، فكتب وافترى الكذب على الملأ، بلا ضمير أو خجل. ثم أتت تلك الآفة التي سُمّيت «كتائب»، أو «ميليشيات»، مواقع التضليل الاجتماعي، فصار للكذب أكثر من ألف عنوان، وباتت للتزوير مئات الأسماء، حتى إن التزييف فيما كان يسمى «فوتوشوب» بات شيئاً من ماضٍ تولّى. والمؤسف أن منصات تلك الآفة استُخدمت من أشخاص في الجانبين تعمّدوا الإساءة إلى الشعبين، يزعم الواحد منهم أنه مدافع عن بلده، فيما هو يسيء إليه، فلا الفلسطيني المسيء للسعودية عبر موقع «تويتر»، مثلاً، يخدم قضية فلسطين، ولا المغرد السعودي إذ يسخر من قضية شعب، بل أمة بأكملها، متلاعباً حتى بتحريف اسمها، يُحسن للشعب السعودي وقيادته. ذلك تصرف معيب يُؤخذ على كل ممارس له.
حقاً، أمام هكذا فوضى غير مسبوقة في قلب الحقائق حتى تبدو كأنها تمشي على رأسها، وفي عالم متقلّب يبدو قابلاً لتصديق أي شيء قبل التحقق مما يسمع، أو يشاهد، أو يقرأ، يصح القول إن تأكيد ما هو مؤكد أصلاً، في شأن ثبات الموقف السعودي من الشعب الفلسطيني، موقف صحيح تماماً، ومطلوب أيضاً، لأن ما بين مهد أولى القبلتين وثالث الحرمين، وبلد الحرمين الشريفين علاقة عقيدة، حقاً، وسوف تظل مصيرية أبداً.