توقيت القاهرة المحلي 07:22:26 آخر تحديث
  مصر اليوم -

النمل وجبروت الفيل

  مصر اليوم -

النمل وجبروت الفيل

بقلم:بكر عويضة

فوجئ صديق، قبل أسبوع، بسرب نمل يهاجم المنزل، فلم يضق ذرعاً بالأمر، بل هرع إلى أقرب بخاخ قاتل للحشرات المنزلية في متناول اليد، وأحس بارتياح إذ توارى مشهد النمل من مرأى البصر. صباح اليوم التالي، ساور الصديق إحساس بالانزعاج عندما اكتشف أن النمل لم يختف تماماً، فعاود الكَرّة مستعيناً بقاتل الحشرات، وإذ راح يلاحق كل نملة تحاول الهرب أخذ يردد أن مجرد القلق من فيروس «كورونا» كاف لأن يفسد المزاج. ضحى الاثنين الماضي، فوجئت بالصديق ذاته يهاتفني وقد أصيب بخوف واضح في صوته، بل أحسست أنه يصل حد الجزع، ولمّا استفسرت، سارع يوضح أن أسراب النمل تضاعفت، فإذا هي جيوش تصول في أرجاء المنزل، وما عاد ينفع معها رشاش البخاخ المطهّر، ثم صدع بالسؤال: ما العمل؟
حِرتُ بمَ أجيب، ثم خطر لي اقتراح الاستعانة بإحدى الشركات المتخصصة في تطهير المنازل من تسلل الحشرات الضارة إليها، سواء من داخلها، أو من خارجها، لكن الصديق سارع يذكرني أن الإغلاق المترتب على مقاومة انتشار وباء «كوفيد 19»، يحول دون الحصول على ذلك النوع من الخدمات خلال يوم أو يومين، وربما يتوجب عليه الانتظار مدة أسبوع كامل، يكون النمل خلاله قد التهمه هو نفسه. كدتُ أصاب بيأس شديد أنني أستطيع تقديم أي نصح مفيد للرجل، لولا أن جرس اقتراح رنّ فجأة، فسألت: لِمَ لا تجرِّب نوعاً آخر من المطهرات، أقوى مفعولاً، وربما أسرع تأثيراً، ألا يتوفر لديك أي منها؟ أجاب: بلى، لديّ، سوف أفعل، ثم أنبئك بما حصل. بعد أقل من ساعتين، اتصل الرجل ليبلغني، بارتياح بدا واضحاً، أنه استعان بقاتل جراثيم ذي لون أبيض، ومفعول سريع، إذ فور رش جحافل جيوش النمل الغازية برشاش ذلك البخاخ، فإنها راحت تتهاوى على أرض المنزل صرعى، كأنها أعجاز نخل فاجأتها رياح إعصار تسونامي، لم تحسب له أي حساب.
استحضر حديث صديقي عن البخاخ القاتل، ذي اللون الأبيض، على الفور، صورة حدث ضابط الشرطة ديريك شوفين، فيما هو جاثم بركبتيه، كأنه فيل، على رقبة المبطوح أرضاً، جورج فلويد، الذي بدا مثل نملة بلا حول ولا قوة بينما يتوسل السماح له أن يتنفس، وهو في الأساس مواطن أميركي كما الرابض على أنفاسه، ليس يميّز بينهما سوى لون جلد كلٍ منهما، فكلاهما إنسان، دمٌ، وروح، ولحمٌ، كل ما في الأمر أن أحدهما فاقع البياض، وثانيهما داكن البشرة. كم بشع، ومُرٌ، أن يوصف مخلوق، أو يُنادى، أو يُسمى، بلون جلده، هذا أبيض، وذاك أسود، هنا عرق أصفر، وهناك قوم من أصل هندي أحمر. يوثق التاريخ، زمناً بعد زمن، وقرناً يليه آخر، حقيقة تقول، ببساطة يفهمها كل ذي مُخٍ يبصر، وعقل يفهم، وقلبٍ يعقل، أن الشر متأصلٌ في بعضٍ من أبناء وبنات آدم وحواء، رغم أن الخير هو الفطرة الأصل في الإنسان. لقد حُسِم الأمر منذ اتضح الفارق بين رفض نفاق قربان قابيل، الذي اغتاظ فقَتل، بينما تُقبِّل صدق هابيل، كاظم الغيظ المقتول، إذ يقول لأخيه: «لَئِن بَسَطتَ إلي يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بباسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِي أَخَافُ اللّهَ رَبَ الْعالمينَ».
بوسع العقلاء، في كل زمان، وبأي مكان، أن يدركوا بلا كثير عناء، أو إرهاق للتفكير، أن ضمير المخلوق هو المنبع الأساس لكل سلوك يُقدم عليه الناس، سواء أقدموا على فعل الخير عن اقتناع ورضى، أو مارسوا الشر بفعل انصياع أعمى لما زُرع في رؤوس البعض، في جهات الأرض الأربع، من وساوس فكر ضال تزيّن شرور إيذاء الآخر المختلف. حقاً، لئن مات الضمير عند المخلوق، رغم كل ما في البشر من عوامل ضعف، ما الذي سوف يحول دون موت الخوف من الخالق ذاته، جلّ جلاله؟ لا شيء. لذا، منطق الأشياء يقول إن دوائر العنف لن تتوقف عن الدوران في كل مكان، وسوف يستمر ظلم من يظن أنه فيل، وأن كل ما عداه مجرد نمل يمكن له أن يَسْحقَ، متى وأنّى شاء. إنما، تأتي لحظة عدل ليست في حسبان الظالم، فإذا بنمل حق مسلوب يخترق جبروت الفيل المتجبر، حينئذٍ تدور على الباغي الدوائر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النمل وجبروت الفيل النمل وجبروت الفيل



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان
  مصر اليوم - مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 00:03 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

نيقولا معوض بطل كليب تركي دويتو مع إيلين ييليز
  مصر اليوم - نيقولا معوض بطل كليب تركي دويتو مع إيلين ييليز

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 16:22 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

جماهير تطلب فتح المدرج الشرقي في مواجهة بوركينا

GMT 11:58 2024 الخميس ,06 حزيران / يونيو

أفضل فساتين الخطوبة للمحجبات

GMT 00:10 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5 درجات يضرب ألاسكا الأميركية

GMT 08:42 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير شئون «النواب» يناقش تطورات مجال حقوق الانسان في مصر

GMT 12:54 2019 الأربعاء ,04 أيلول / سبتمبر

الفنانة يارا تفاجئ جمهورها علي تطبيق "سناب شات

GMT 03:31 2019 السبت ,29 حزيران / يونيو

فيل يبتكر طريقة ذكية ليتناول طعامه من فوق شجرة

GMT 13:03 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

فولكس فاجن تكشف عن أسعار أيقونتها Passat موديل 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon