توقيت القاهرة المحلي 06:23:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إلى الحبس... سِرْ

  مصر اليوم -

إلى الحبس سِرْ

بقلم:بكر عويضة

الأمر بات واضحاً لكل ذي بصر وبصيرة، وخلاصته، إنْ طوعاً، أو كُرها، ليس من مفرٍ أمام الناس عموماً، في أنحاء العالم كافة، تقريباً، سوى الامتثال للأمر التالي: إلى الحبس سِر. بالطبع، واضح كذلك أن المقصود هو الحبس المنزلي، أو تعليمات ممارسة الحجر الصحي ذاتياً، الصادرة عن معظم حكومات الأرض، التي تدخل في سياق نصح موجه لمواطنيها الغرض منه حمايتهم من شرور مَن تسبب في إصدار هكذا أوامر في الأساس، ذلك المدعو فيروس كورونا، المتسارع الانتشار، حتى يبدو كأنه يسابق الريح ابتغاء إلحاق الأذى بأكبر عدد من البشر، قبل أن يتمكن العِلم من القبض عليه، وكتم الأنفاس منه، فيذهب مذموماً، كي يلحق، مدحوراً، بمن سبقه من فيروسات سيئ الأمراض والأسقام، خفيفها كما خبيثها، التي سبق لها أن أزهقت أرواح ملايين الأنام، وأيضاً الأنعام، في مشارق الأرض ومغاربها.
بيد أن الأمر لم يخلُ كذلك من ضرورة اللجوء إلى ممارسة نوع من إلزام مواطني عدد من الدول بالتزام البقاء في بيوتهم، حتى تزول مخاطر سرعة انتشار العدوى. حصل ذلك بإصدار قرارات تحظر التجول خلال ساعات محددة، خصوصاً في الليل. عندما سألت بعضاً من أصدقاء غربتي اللندنية من مواطني تلك الدول عن السر وراء اختيار الليل تحديداً، مع أن الطبيعي هو أن تأوي الناس إلى البيوت ليلاً، بلا تعليمات حظر تجول، سارعوا إلى إفادتي أن الدنيا ليست كما أتصور، لقد تغيّرت. وإذ استزدت طلباً للفهم، قيل لي إن الليل صار أقرب إلى النهار في كثير من عواصم ومدن العرب، حيث يحلو للكثيرين السهر إلى ما بعد منتصف الليل، وربما قرب الفجر، ما أدى، ولا غَرو في ذلك، أن يذهب بعض الموظفين إلى العمل في الصباح، مُتعب الجسم، ناعس العينين، متثائب الفم، يتمنى، أو الأصح ربما تجده يجِّد، في اختراع الأسباب كي يهرب من أداء الواجب، طلباً للنوم في البيت.
إذا كان الحال هكذا، فلا بأس من إلزام هذا النوع من الناس بالتزام حظر التجوّل، ليس فقط بقصد مواجهة الفيروس، وإنما كذلك علّهم يفيقون على نمط حياة جديد، ويدركون حقيقة ما للجسم من حق على صاحبه، يتطلب إعطاؤه ما يستحق من الراحة، ليس فحسب كي يقوم بواجب العمل خير قيام، بل كذلك كي يَقوى نظام المناعة عنده، فإذا ما استدعى الحال الاستنفار لمقاومة فيروس معتدٍ، لبى الجهاز النداء واستفز كل قواه للقضاء على المعتدي. أليس هذا هو الناموس الطبيعي المتوجب على الإنسان، حيثما كان، وأياً هو الجنس أو العرق، أن يتبع؟ بلى. لكن الواقع ما فتئ يثبت كم وكيف أساء أناسٌ كثيرون، في مختلف أصقاع الكوكب، استخدام ما حقق الإنسان ذاته من تقدم علمي، سواء على صعيد تدمير النفس صحياً، أو لجهة الإفساد بيئياً، بالإجهاز على ما حبت الطبيعة بني البشر من نِعم وخيرات، كما في اقتلاع الشجر، مثلاً، لأجل أن ترتفع ناطحات سحاب.
ضمن ذلك السياق، كثيرون، على امتداد العالم كله، يرون شيئاً من الخير سوف يولد من رحم شر «كورونا». حقاً، يشير الواقع، بوضوح شديد، إلى أن سلوكيات كثيرة سلبية سادت قبل ابتلاء «كورونا»، سوف تغيب بعد انقشاع الغيوم والقضاء على الفيروس. لقد سبقني عدد من الكتاب والكاتبات، هنا على صفحات «الشرق الأوسط»، وغيرها من صحف ومواقع عدة، إلى طرق موضوع أن العالم ما قبل الأزمة، ليس هو تماماً عالم ما بعدها. صحيح، ويمكن للمرء أن يلحظ كيف أن التغيير بدأ فعلاً. المهم أن يستمر. مثلاً، تلاحظ جارتي الإنجليزية، وهي مُعلمة متخصصة في تعليم التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة، أن الهدوء أخذ يعود إلى شوارع الأحياء، وأن نهار الأحد راح يبدو كيوم إجازة بالفعل، وتشرح أكثر فتقول: يبدو أن أغلبنا كان بحاجة إلى صدمة كهذه، ورغم باهظ الثمن، وما يحمل من الألم، فإنني آمل أن يكف الناس عن الطمع في كل شيء، وليس الاكتفاء بما يحتاجون، بل وما يشتهون أيضاً، ثم أن يتوقفوا عن إلقاء فضلات يمكنها أن توقف جوع فقراء معوزين، سواء في بريطانيا أو في غيرها. أصابت جارتي. حقاً، إذا تحقق هذا، أو شيء منه، ربما لا تعود هناك حاجة إلى أمر: هيا، إلى حبس منزلك، سر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إلى الحبس سِرْ إلى الحبس سِرْ



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان
  مصر اليوم - مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 00:03 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

نيقولا معوض بطل كليب تركي دويتو مع إيلين ييليز
  مصر اليوم - نيقولا معوض بطل كليب تركي دويتو مع إيلين ييليز

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 16:22 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

جماهير تطلب فتح المدرج الشرقي في مواجهة بوركينا

GMT 11:58 2024 الخميس ,06 حزيران / يونيو

أفضل فساتين الخطوبة للمحجبات

GMT 00:10 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5 درجات يضرب ألاسكا الأميركية

GMT 08:42 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير شئون «النواب» يناقش تطورات مجال حقوق الانسان في مصر

GMT 12:54 2019 الأربعاء ,04 أيلول / سبتمبر

الفنانة يارا تفاجئ جمهورها علي تطبيق "سناب شات

GMT 03:31 2019 السبت ,29 حزيران / يونيو

فيل يبتكر طريقة ذكية ليتناول طعامه من فوق شجرة

GMT 13:03 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

فولكس فاجن تكشف عن أسعار أيقونتها Passat موديل 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon