بقلم : إميل أمين
انشغل العالم في الأسابيع الماضية بـ«السلطان» إردوغان، وأزمته مع شمال سوريا، وتوارت إلى حد ما الاهتمامات بالملف الإيراني، ولو مؤقتاً، غير أن الملالي كان يعدون الأيام حتى تنقضي مهلة الستين يوماً التي منحوها لأوروبا لإيجاد مخرج اقتصادي على الأقل لهم، كنوع من أنواع الابتزاز، للبقاء في الاتفاق النووي، وإلا فإن تخفيض الالتزامات النووية سوف يمضي قدماً، وهذا ما جرى نهار الأربعاء الفائت.
استعراض العضلات الإيرانية لم يبدأ في واقع الأمر من عند الجانب النووي في الأزمة، وإنما سبقته تصريحات المكابرة والمكايدة التقليدية الإيرانية، تلك التي تعبر عن جانب الغرور النمطي في النفسية الفارسية القديمة، الذي توارثته الأجيال الحاضرة.
نهار السبت المنصرم كان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي يعلق على العقوبات الأميركية الجديدة على بلاده، بوصفها «دليل ضعف وإخفاق أميركا في عالم الدبلوماسية»، ومن ناحية ثانية، كان قائد «الحرس الثوري» الإيراني يعتبر أن الولايات المتحدة لم تعد القوة الأولى في العالم، مهدداً بأن بلاده سوف تستهدف أي منطقة، يستهدفها منها العدو (في إشارة لا تخطئها العين لدول الجوار الإقليمي).
تهافت التصريحات الإيرانية أمر مقطوع به، فالعقوبات تربك الملالي، وتجعل الحياة في الداخل الإيراني غير مستقرة وتفتح الباب واسعاً للاضطرابات الاجتماعية والمظاهرات الشعبية، فيما أميركا العسكرية لم تكن على هذا القدر من القوة والمنعة طوال تاريخها، والعالمون ببواطن استراتيجيتها العسكرية يخبرون بأن لديها جهوزية لمباشرة حربين، وربما أكثر في ذات الوقت، عبر أكثر من مسرح من مسارح الأحداث حول العالم.
يوقن قادة إيران في داخلهم أن نظامهم يمثل خطاً شاذاً عن السياق الدولي، لكنهم في ذلك يبدون كمن يتنعم ويستمتع بوضع المجابه والمتحدي للتحديات الخارجية، ولا يغيب عن ناظر متابع الشأن الإيراني أنهم يسعون للفكاك من هزائم الداخل بتصدير الأزمات إلى الخارج.
تتلقى إيران ضربات مركزة هذه الأيام من شعوب المنطقة، ولا سيما حيث يوجد وكلاؤها وأطرافها الميليشياوية، وعلى القارئ أن يرفع أنظاره إلى لبنان، إذ يجد ثورة على «حزب الله»، ثورة من السلاسل التي تحرر، لا تلك التي قيد بها السيد لبنان برباطات غير مقدسة مع إيران، لا ينأى يفاخر ويجاهر بها.
أما الحال في العراق فهو ظاهر لكل ذي عقل، وهتافات «إيران برّه» تعكس حقيقة شعب سأم الرضوخ لقاسم سليماني وأذنابه في دولة الرشيد، تلك التي يسعى شبابها وشيبها لتغليب علم العراق على ما سواه من أعلام الميليشيات الخبيثة.
أما اليمن فقد تلقت طهران فيه ضربة موجعة، بعد الاتفاق التاريخي بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي في الجنوب، الأمر الذي سبّب خوفاً وهلعاً عند الحوثيين، إذ تبشر وحدة اليمنيين بنهاية زمن انقلابهم.
ما الذي يمكن أن تفعله إيران في هذا الإطار الانهزامي غير المسبوق الذي تعيشه؟
بالتأكيد، المزيد من الخروقات للاتفاق النووي، عبر مضاعفة أجهزة الطرد المركزي المتطور من نوع «آي آر 6»، إلى 60.
هنا يأتي دور الخبراء التقنيين حول خطورة المشهد الإيراني الأخير، ذلك أن هدف الخرق هو تمكين إيران من تخصيب اليورانيوم بسرعة أعلى بـ7 - 10 مرات عن تلك التي كان بإمكان أجهزة الطرد المركزي القديمة من نوع «آي آر 1»، تحقيقه.
هناك علامة استفهام محيرة في المشهد الإيراني، وهي أنه إذا كانت زيادة سرعة التخصيب بحد ذاتها لا تكفي من أجل التوصل إلى إنتاج قنبلة نووية، فاليورانيوم اللازم لسلاح ذري لا بد أن يكون مخصباً بدرجة 95 في المائة، وهذا طريق طويل جداً، فلماذا إذن محاولات استعراض العضلات الوهمية الأخيرة، وما الذي تبغيه إيران من ورائها في الوقت الحاضر، وفي المستقبل القريب، والمتوسط على حد سواء؟
الشاهد أن أحد الأسباب التي تجعل إيران توّاقة لرفع قدراتها النووية هو اعتقادها أن هذا الأمر سيبقيها في منزلة بين منزلتين؛ كونها قضية تحدٍ وتصدٍ للإمبريالية الأميركية، كما يروّج الخطاب الديماغوجي الإيراني في الداخل، ووسط أنصاره في الخارج من جهة، وبين كونها أمة قوية تاريخية، لها إرثها الإنساني والسلطوي عطفاً على العسكري من ناحية ثانية.
هل إيران تعاني اليوم من ظاهرة تكافؤ الأضداد في الروح الواحدة، أي التشارع والتنازع الهيكلي في الرؤية والتوجهات، والذي يعبر عنه البعض مرات بقصة الصقور والحمائم؟
ذات مرة على صدر «خضراء الأوراق الغراء» كتبنا عما سميناه «تمرد على سفينة الملالي»، ويبدو أن الأيام تثبت أن هناك بالفعل قراءات متباينة إيرانية، وأن بعضها يرى فكرة الأمة التي عليها أن تتعايش مع العالم أفضل من فكرة قضية النضال الوهمي التي يجيدها البعض الآخر.
أبعد من ذلك، يتحدثون عن رسائل سلام أرسلها الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى قادة دول في منطقة الخليج، تسعى إلى إيجاد علاقات ثنائية سلمية، وفي الوقت عينه تستمر التهديدات الكلامية كما رأينا في تصريحات حسين سلامي.
الخلاصة... عضلات إيران مزيفة وخداعها غير استراتيجي.