توقيت القاهرة المحلي 21:31:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تركيا وفقدان البوصلة

  مصر اليوم -

تركيا وفقدان البوصلة

بقلم : إميل أمين

لا يصدق الحاكم أحياناً أن أحلامه تتبخر من بين يديه، وأن الزمن لا يمكن أن يعود إلى الوراء؛ ولهذا يحاول صباح مساء كل يوم أن يهرب إلى الأمام، معلقاً فشله على الآخرين.
يوماً تلو آخر تثبت لنا الأحداث أن الأحقاد الدفينة لا تصنع الأمجاد، ولا تبنى الدول الكبرى ولا تقيم الإمبراطوريات أو تحييها من الرماد. لماذا يتبنى الرئيس رجب طيب إردوغان كل هذه السلبية حيال العالم العربي وفي المقدمة منه المملكة العربية السعودية ومصر وسوريا؟ هل بسبب المشاعر القديمة الموروثة، أم لأنه يرى تجارب نهضوية صاعدة تقدم نموذجاً مختلفاً للعلاقة مع العالم وفي بناء المجتمعات.
يبدو أن الرئيس إردوغان فقد البوصلة منذ أن أفشلت جموع المصريين في الثلاثين من يونيو (حزيران) 2013 مخططه لتسكين الأصوليات مقاعد الحكم في العالم العربي كوكلاء، وضاع الأمل في عثمانية جديدة وإنْ بثياب مغايرة رسماً، لكنها تبقى نفساً كما هي، ولعل ما يزعج الرجل هو تلك الصحوة العربية والدعم والمساندة التي لقيتها مصر من أشقائها في المملكة والإمارات وبقية دول الخليج باستثناء قطر، التي ستعرف بعد رحيل العمر أنها كانت تطارد خيط دخان.
لا يزال نموذج النهضة السعودية للأمير محمد بن سلمان يسبب قلقاً داخلياً وخارجياً لإردوغان، ولا ينفك يطلق تصريحاته يوماً تلو الآخر تجاه المملكة وولي عهدها، والجميع يعرف أن الفشل الذريع الذي يطارده في صحوه ومنامه، هو الأصل في كافة محاولات إلقاء الذنب والعبء على الآخرين.
لا يحق للرئيس التركي إلقاء دروس عن الحريات وحقوق الإنسان؛ ذلك أن الناظر إلى سجله يرى أفعاله القائمة والقادمة تجاه شعبه في هذا السياق، ولا سيما منذ الانقلاب الوهمي الذي تذرع به لفرض طوق حديدي على بلاده، التي باتت شبه مرفوضة من الشرق والغرب على حد سواء.
يحاول إردوغان أن يتمسكن، لكن الجميع يعلم علم اليقين أن الرجل ينتمي قلباً وقالباً إلى قافلة الحكام المتشددين، فمن جهة يطارد مواطنيه في الداخل التركي، ويزج بالآلاف منهم وراء القضبان، ويفصل من يشاء؛ الأمر الذي دعا الأيام القليلة الماضية إلى خروج الآلاف من شعبه في مظاهرات تطالب بدعم المعتقلين المضربين عن الطعام في السجون، ولا تتوقف آلته عن إصدار أحكام الإعدام على مواطنيه ما بين المؤبد والموت، وآخرها محاكمة مشددة لـ48 طياراً من سلاح الجو التركي الرافضين لسياسته.
أما في الخارج القريب، فلا يزال إردوغان يواصل قمع الأكراد، وقد سجن رجالاته منذ أيام برلمانيتين سابقتين منهم بتهمة دعم الإرهاب، وتهديداته بعمليات في شمال شرقي سوريا ضدهم قائمة، ورؤاه لمناطق عازلة غير مقبولة من أحد.
قبل بضعة أيام كان التقرير السنوي لتقييم التهديدات على مستوى العالم الصادر عن مجمع المخابرات الأميركية، يحذر من مخاطر تزايد الخلافات المستمر بين الولايات المتحدة وتركيا؛ الأمر الذي يدعونا للتساؤل: «ترى ما السبب؟».
يقول التقرير الأميركي الأحدث، إن التنامي السلطوي لقادة تركيا هو السبب؛ ولذلك فإن الاستخبارات الأميركية تدق الآن أجراس الإنذار حول علاقة واشنطن وأنقرة؛ لأن الخلافات تتعمق يوماً تلو الآخر بين البلدين.
مشكلة الرئيس إردوغان أنه يعيش في شرنقة صنعها لنفسه وبنفسه. والأكيد أن التلاعب على المتناقضات أمر لا يستقيم في حال عالم بات كاشفاً لأوراقه المغشوشة.
آخر العنتريات الوهمية والأحلام المخملية الواهية للرئيس التركي، ذلك الموقف من فنزويلا ونظامها الذي أفقر شعبها، وحوّلها من دولة يصل ناتجها الإجمالي السنوي نحو نصف تريليون دولار، إلى دولة يهرب شعبها للجوار من أجل البحث عن لقمة عيش تسد رمق جوعاها.
ينافح ويدافع إردوغان عن نظام نيكولاس مادورو، ويتهم أوروبا بعرقلة الديمقراطية في كاراكاس، ويواصل محاولة تبرير دعمه لنظام بات يتهاوى، الأمر الذي يستدعي علامة تعجب عن الرجل الذي يتحدث عن الديمقراطية، وهو الممثل الرسمي لنظام ديكتاتوري توتاليتاري في بلاده.
أحقاد دفينة ليست موجهة ضد العرب فقط، بل جزء بالغ منها منصبّ على الأوروبيين الذين رفضوا إدخال بلاده في اتحادهم، وعلى الأميركيين الذين هدد رئيسهم بسحق ومحق وتدمير اقتصاده، وفي الوقت نفسه يدرك إردوغان أنه لن يقدر على شيء في مجابهتهم، وأن آماله في الوقيعة بين موسكو وواشنطن تتجاوزها مصالح الكبار من الأقطاب الدولية، في حين يقعد هو ملوماً محسوراً في الحال والاستقبال.
تركيا دولة كبرى تستحق قيادة رشيدة... الكراهية والأحقاد لا يفيدان.

 

نقلً عن الشرق الاوسط اللندنيه

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تركيا وفقدان البوصلة تركيا وفقدان البوصلة



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon