انتظر العالم لقاء الرئيس الصيني بالرئيس الأميركي على هامش قمة منظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي «آبيك»، في كاليفورنيا، غير أن نتائج أربع ساعات من الحوارات، ربما عبّر عنها الرئيس الأميركي بايدن، وربما دون أن يدري، في مؤتمر صحافي لاحق، بأن جينبينغ «ديكتاتور»، وهو ما سبق ووصفه به، وإن أضاف مبرراً هذه المرة: «لأنه يدير دولة شيوعية تقوم على نظام حكم يختلف تماماً عن نظامنا».
هل كانت قمة كاليفورنيا مجرد اتفاق على تهدئة مؤقتة بين واشنطن وبكين، درءاً لأي مفاجآت، وتجنباً لأي تصعيد لا يصب في صالح الدولتين أو الرجلين.
من الواضح أن هناك في الداخل الأميركي من كان يراقب هذا اللقاء، وفي خلفيته أن بايدن رجل متورط مع الصينيين منذ وقت طويل، الأمر الذي حدا برئيس مجلس النواب السابق، الجمهوري نيوت غينغريتش، لأن يصف اللقاء عبر قناة «فوكس نيوز» بأنه يشبه «اجتماع صراف الرواتب مع رب الأسرة التي ساهم في إثرائها على حساب كل أميركي».
مقصد غينغريتش من هذا الحديث الإشارة لتورط بايدن مباشرة، أو من خلال ابنه هانتر، في علاقات مالية مشبوهة مع حكومة جينبينغ، منذ أن كان نائباً لأوباما، ما يجعل منه، حسب غينغريتش، «عميلاً سريّاً لقوة أجنبية، وأكبر عدو جيوسياسي لأميركا».
لا تبدو هذه مشاعر السياسي الجمهوري الذي يصفه البعض بأنه يميني متطرف، بل تمتد لملايين من الأميركيين، باتوا متشككين في نزاهة بايدن، الأمر الذي سينسحب حكماً على ديناميكيات الانتخابات الرئاسية 2024.
هل لهذا حاول الرئيس بايدن استباق لقاء جينبينغ بتصريحات تحمل مسحة عدائية بصورة أو بأخرى، حتى يدفع أي اتهامات بالتماهي مع الصين؟
عشية اللقاء صرح بايدن بأن الصين لديها مشكلات فعلية، وأضاف خلال حفل لتجميع تبرعات: «الرئيس جينبينغ مثال آخر على كيفية إعادة ترسيخ القيادة الأميركية في العالم، إن لديهم مشكلات حقيقية».
تبدو اللغة الفوقية الأميركية عند بايدن أداة من أدوات الدعاية الانتخابية، لا سيما أنها تحمل في طياتها تهديدات بينية تطول مستقبل الاقتصاد الصيني، الذي تعثر مؤخراً، وإن كانت الأرقام في بكين قد أظهرت قبل قمة كاليفورنيا بساعات نمواً في الناتج الصناعي الصيني، وزيادة في معدلات التجزئية وبما يفوق التوقعات في أوائل شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بعد أن واجه الاقتصاد عينه صعوبات في الأعوام التي تلت تفشي جائحة «كوفيد - 19»، واعتبار الأميركيين أن «الفيروس صيني»، على حد تعبير الرئيس السابق دونالد ترمب.
تبدو خلاصة لقاء الساعات الأربع، وفي أفضل الأحوال، تهدئة مؤقتة تقطع الطريق على التداعي نحو الصراع القادم لا محالة، عند نقطة زمنية متفق عليها بوصف «فخ ثيوسيديديس».
الولايات المتحدة في هذه الأوقات لديها من الأزمات العسكرية والسياسية على الأرض ما يكفي، من أوكرانيا، وصولاً إلى غزة، وتهديدات إيران و«حزب الله»، وعليه فقد أجاد الصينيون العزف على أحد أهم الملفات الحيوية الخاصة بهم.
كان ملف جزيرة تايوان هو الكلمة الفصل على مائدة اللقاء، والتسريبات تشير إلى أن جينبينغ بدا بدوره قاطعاً لجهة اعتبار أنها القضية التي لا تقبل النقاش، والكفيلة بإشعال حرب عالمية بين الطرفين.
لا تزال واشنطن تناور وتداور، وهي تعد تايوان خنجراً في خاصرة الصين، وتدعم التوجهات الانفصالية، لكن التوقيت لا يبدو مناسباً للإعلانات الدعائية، لا سيما في عام انتخابات رئاسية مقلق ومحير للديمقراطيين على نحو خاص.
على أن هذا الموقف من إدارة بايدن يزعج الأميركيين، إذ يعد غالبيتهم أن الصين تسعى لمد حضورها القطبي في مياه المحيط الهادي، وهذا صحيح، مع ما يمثله من تحول مشهد العلاقات مع بكين إلى نوع من الحرب الباردة الجديدة، ويبدو أن الشراكات التي سعت واشنطن في طريقها خلال عامي بايدن، كتحالفي «أوكوس» و«كواد»، غير كافية في ردع الصينيين، حسب وجهات نظر الأميركيين.
يستشعر غالبية الشعب الأميركي مؤخراً خطراً جسيماً من حرب خفية تشنها الصين على أميركا، وإن بصورة غير مباشرة، وتستخدمها ورقة ضغط مخيفة على إدارة بايدن وأي إدارة أخرى قادمة... ماذا عن ذلك؟
مخاوف الأميركيين من الصينيين تتسع يوماً تلو الآخر، لا سيما بعد التقارير التي تناولت شأن الترسانة النووية الصينية المتصاعدة، ما يعكس النيات الصدامية القائمة والقادمة.
لم يكن عشوائياً أن تضع أول استراتيجية للأمن القومي الأميركي في زمن بايدن، الصين، على رأس أعداء أميركا الاستراتيجيين، رغم غزو روسيا لأوكرانيا، معتبرين موسكو تهديداً مؤقتاً، فيما الصين «الغضب القادم».
البراغماتية في لقاء كاليفورنيا تشمل جينبينغ نفسه، فهو يريد والعهدة على أغاث دوماريه، المحللة البارزة للاقتصادات الجغرافية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، التركيز على ما سمته «بصريات اللقاء»، بمعنى استغلال الاجتماع ليظهر للمواطنين الصينيين أن الجانب الأميركي يحترم ويقدر وجهات نظر الصين حتى ولو كانت مختلفة عن نظيرتها في واشنطن.
هل من مستفيد حقيقي من هذا اللقاء؟
مؤكد أنه حاكم ولاية كاليفورنيا، غافين نيوسوم الديمقراطي اللامع، الذي استُقبل في الصين مؤخراً استقبالاً طيباً، والتقى جينبينغ وكبار القادة هناك، وهو من استقبل الرئيس الصيني في المطار.
نيوسوم، هو رجل الديمقراطيين القادم، وقد يكون بديل بايدن حال تنحيه لأي سبب عن الانتخابات المقبلة، وربما يضحى صديقاً صينياً.
إنها الكونفوسيوسية التي تكسب الأرسطية، صراع الشرق والغرب مرة جديدة.