هل حان الوقت الذي تجني فيه قطر حقل الإرهاب الذي بذرته وزرعته خليجياً وشرق أوسطياً وعالمياً؟
المؤكد أن حساب البيدر هنا سيكون غالياً وعالي التكلفة لدولة رعت الإرهاب رسمياً ولا تزال، وتظن أن الذين يوفرون لها الغطاء الأممي سوف يستمرون إلى الأبد.
لم يكن ما أعلنته شبكة الإذاعة والتلفزيون البريطانية الأيام القليلة الفائتة عن قطر والفدية التي تجاوزت المليار والمائة والخمسين مليون دولار لإرهابيين يدورون في فلك «داعش» أمراً جديداً، فالمعلومات متوافرة بالفعل من قبل، غير أن السبق الأخير بيَّن بخطوط واضحة كيف أن الإرهاب متأصل ومتجذِّر في صفوف الحكم القطري الذي بات في الأوقات الحاضرة مثل بيت العنكبوت.
السؤال الجوهري في هذه السطور يدور حول ما يتوجب على المجتمع الدولي القيام به وبأسرع وقت ممكن تجاه دولة عضو في الأمم المتحدة تقوم بتوفير الأموال الطائلة لنشر طاعون الإرهاب الأسود حول العالم، وهل سيبقى مجلس الأمن الدولي بنوع خاص عاقد الأذرع على الصدور أمام الألاعيب القطرية لدعم الجماعات الإرهابية وبأموال تكفي لأكثر من عقد قادم من الزمن أو أزيد؟
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتكشف فيها للعالم علاقة قطر بالإرهاب؛ فمنذ أوائل تسعينات القرن الماضي توافرت المعلومات لدى أجهزة الأمن الأميركية، مؤكدةً أن الدوحة تقدم المأوى لبعض رجال «القاعدة» وفي المقدمة منهم المتهم الأشهر في حادث نيويورك وواشنطن 2001 خالد شيخ محمد، بينما فشل لويس فرييه مدير المباحث الاتحادية الأميركية، في تسلمه بعد أن هرَّبته الدوحة خارج أراضيها إلى باكستان. السؤال المثير: أين كانت قطر تخفي شيخ محمد»بعدما علمت السلطات الأميركية بوجوده على أراضيها؟
الجواب في مزرعة خاصة يمتلكها وزير الداخلية القطري وقتها عبد الله بن خالد المعروف بأنه أحد كبار المؤدلَجين قاعدياً، والداعم للمنظمات الإرهابية.
هذا الوزير معروف عنه أنه سبق له أن التقى أسامة بن لادن في العاشر من أغسطس (آب) من عام 1996، إبان إقامته في السودان.
الدعم القطري للإرهاب يتكشف رويداً رويداً، وهذا ما أدركته دول المقاطعة الأربع، ولهذا اتخذت قرارات حاسمة وجازمة، في حين لا تزال واشنطن تراوغ وأوروبا يغريها ويكاد يعميها رنين الذهب القطري، إلى يوم يدفعون فيه الحساب وبصورة لا يطيقون احتمالها، ما يرسم في الأفق علامات استفهام عريضة حول مصداقية الغرب في محاربة الإرهاب وهل نياتهم صادقة خالصة، أم أنه أسلوب تكتيكي لإدراك أهداف استراتيجية أبعد مما تراه العين في التوّ واللحظة.
الكثير من الإرهاب القطري يتكشف تباعاً، والحديث عما تقوم به قطر في ليبيا قد يتجاوز فضيحة المليار وعدة ملايين دولار، ذلك إن كانت عملية تخليص الرهائن القطريين قد اتخذت ستاراً لدفع فدية وهمية على ذلك النحو فإن التعاطي مع اختطاف دولة برمّتها أمر آخر حتماً ستكون أبعاده كارثية عندما تتبدى في الأفق علامات ما يجري هناك راهناً.
يعنّ لنا السؤال الآن: «هل قامت قطر في الفترة الأخيرة بترسيخ وجود الدواعش والإسلامويين في ليبيا؟ وإن كانت قد فعلت فهل هدفها ليبيا فقط أما أنها تريد أن تضحى ليبيا بالنسبة إليها «كعب أخيل» الذي يمكّنها من نشر إرهابها في شمال القارة الأفريقية من جهة وجنوبها من جهة ثانية؟
مؤكَّدٌ أن في الأمر سراً معلناً وليس خفياً، سيما أن عشرات الآلاف من الدواعش الذين كانوا يقاتلون في سوريا والعراق لم يتبخروا فجأة ويختفوا من على الخريطة دفعة واحدة، وبخاصة أن من تمت تصفيتهم منهم لا يتجاوزون بضع مئات ليس أكثر، فأين ذهب الباقون؟
لم يغب المشهد عن أعين أجهزة الاستخبارات حول العالم، والتي رصدت دعماً لوجيستياً ومالياً واضحاً وفاضحاً من قطر، بهدف نقل الدواعش إلى شمال أفريقيا، وليس أفضل من ليبيا موقعاً وموضعاً، سيما أن هناك رجلهم القديم بلحاج الذي يدير إحدى الدويلات القائمة اليوم على الأراضي الليبية والمدعوم مالياً ولوجيستياً من قطر، وهو مالك الأسطول البحري والجوي الرابط بين ليبيا وبين مطارات تركيا وموانئها...
الثابت، وحسب مصادر أمنية ليبية تمتلك من الوثائق ما يؤكد موثوقية أحاديثها، أن الدوحة أنفقت ما يزيد على 3 مليارات دولار منذ انطلاق عمليات «فجر ليبيا» نهاية عام 2014. وتقول المصادر عينها إن قطر سهّلت دخول كميات كبيرة من السلاح عبر مطارات طرابلس ومصراتة لدعم مقاتلي «فجر ليبيا»، وأن ضباطاً قطريين كانوا في غرف قيادة العملية بطرابلس لتقديم المشورة والدعم اللوجيستي.
دعم قطر للإرهاب يتخذ أبعاداً عالمية، وعلى غير المصدِّق لما نقول به الرجوع إلى ما نشرته صحيفة «لوباريزيان» الفرنسية عن إذكاء قطر نيران الحرب الأهلية والأصولية في قلب أفريقيا، فقد نشرت الصحيفة تقريراً عن سنوات الحرب على الإرهاب في جمهورية مالي، والدور المشبوه للدوحة في تغذية الجماعات الإرهابية هناك، وهو ما كشفته وثائق «ويكيليكس» نقلاً عن دبلوماسيين أميركيين، عطفاً على تقارير استخبارية أخرى تشير إلى تمويل قطر للجماعات الإرهابية في مالي، وأبرز تلك الجماعات «حركة الطوارق» الإرهابية، وأتباعها المسيطرون على شمال مالي.
بدءاً من عام 2012 لم تكن أعين المخابرات الفرنسية غافلة عن الدور القطري في مالي، وعلاقة الدوحة بالمنظمات الإرهابية المسيطرة هناك، وقد خلصت أجهزة فرنسا الأمنية إلى أن أمير قطر السابق حمد بن خليفة قد قدم دعماً مالياً وعسكرياً لتنظيمات إرهابية في مالي.
لم تتوقف وسائل الإعلام الفرنسية عن فضح علاقات قطر بالإرهاب في مالي، ففي تقرير منسوب إلى مصادر استخباراتية فرنسية أيضاً نشرته صحيفة «لوكانارد أونشيني» نقرأ عن الدوحة التي قدمت دعماً عسكرياً ولوجيستياً ومالياً كبيراً لجماعات إرهابية متطرفة في شمال مالي، بهدف زعزعة استقرار دول أفريقية عدة تتعارض مصالحها مع الدوحة.
تحت عنوان «صديقتنا قطر تدعم الإرهابيين في مالي» أشارت الصحيفة إلى أنه وفي بداية عام 2012 وجّه جهاز المخابرات الفرنسية إنذارات عدة إلى قصر الإليزيه، تحذّر وتنذر من أدوار مشبوهة تلعبها قطر برعاية أميرها حمد بن خليفة، وأن الدوحة تقدم سخاء لا مثيل له، ليس فقط كدعم مالي وعسكري في صورة أسلحة لجماعات وتنظيمات إرهابية في كل من تونس ومصر وليبيا، ولكن أيضاً امتد هذا السخاء لجماعات إرهابية متطرفة في مالي.
هل هناك بعد وقت للتساؤل عن قطر دولة داعمة للإرهاب أم لا؟
على واشنطن وبروكسل وموسكو وبكين الجواب من دون إطالة للصمت غير البريء.
نقلً عن الشرق الاوسط اللندنيه
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع